- المقدمة :
المغرب الأقصى
هو دولة عربية مغاربية ، تقع في أقصى شمال غرب إفريقيا ، ولا يفصلها عن إسبانيا بأوربا
سوى مضيق جبل طارق ، وعاصمتها الحالية هي الرباط ، ومســــــاحتها حوالي 453 730
كم2 ، ولا تزال مدينتيها الساحليتين سبتة ومليلة على المتوسط تخضعان
للاحتلال الإسباني منذ القرن 16م ، ويحتل المغرب الأقصى بدوره الصحراء الغربية منذ
سنة 1979م ، بدعوى أنها من الأقاليم الجنوبية.
ويتميز سطح
البلاد بأربعة مظاهر تضاريسية هي : منطقة الريف والأطلس المتوسط والأطلس الأعلى
والأطلس الداخلي ، وأعلى قمة جبلية بها هي جبل طوبقال بعلو 4165م ، أما مـــن حيث
الأودية فهنالك وادي ملوية ، الذي يعتبر حدا فاصلا مع الجزائر بطول 450كم ، ولكن وادي
أم الربيع هو الأطول بحوالي 600كم.
ويخضع المغرب الأقصى منذ سنة 1664م لحكم ملوك
الأسرة العلوية ، ابتداء من مولاي الرشيد بن علي الشريف لغاية الملك الحالي محمد
السادس ، ويعد حكمها من الأطول في العالم إذا استثنينا مثلا أباطرة اليابان ، أما
بخصوص الحياة الثقافية للمغرب الأقصى في الفترة الأولى لحكم الأشراف الفيلاليين ،
أي إلى عهد عبد الله بن إسماعيل الذي عاش بين1694 - 1757م ، وحكم بين1745 - 1757م ، فلا يمكن الفصل بين مظاهر
الحياة الثقافية في العصرين السعدي والعلوي ، لأن مدينة فاس كانت مركز الصدارة
والإشعاع لكليهما ، كما اتحدت مناهج التدريس عندهما في القرويين وغيرها من الجوامع
، وكذلك أساليب البحث وطرق التصنيف مع اختلاف طفيف في الموضوع ، غير أن جامعة فاس
ازدادت صدارة في عصر العلويين.
ومن هذا المنطلق يمكننا طرح الإشكالية التالية :
- ما هي أهم جوانب الحياة الثقافية في الفترة العلوية الأولى حتى
1790م ؟
01
وعنها يمكن استخراج التساؤلات التالية :
- كيف ساهم العلويون في إدارة الحياة الثقافية بالمغرب الأقصى ؟
- ما هي أهم الأنشطة الثقافية التي ميزت الحياة الثقافية بالمغرب
الأقصى ؟
- هل عرفت الحياة الثقافية في آخر هذا العصر نوعا من التطوير والإصلاح
؟
وعن حدود الإشكالية في
الـمجال الموضوعي ، فهي من تولي السلطان عبد الله بن إسماعيل للحكم إلى وفاة السلطان محمد الثالث بن عبد الله ، وبخصوص المجال
الزمني فهو من سنة 1694م لغاية سنة 1790م ، وقد سرنا بالبحث حتى هذه السنة باعتبارها
شهدت تحولا ثقافيا ، يقودنا للحديث عن مرحلة أخرى لها خصوصياتها الثقافية ، أما
المجال المكاني فهو ضمن ما عرف وقتها بمملكة الأشراف العلويين بالمغرب الأقصى.
وتكمن أهمية
الموضوع في اندراجه ضمن الكتابات الثقافية عن بلاد المغرب في العصر الحديث ، وأيضا
فالكتابة في التواريخ الثقافية والاجتماعية والسياسية هو من التوجهات الجديدة في
مجال البحث التاريخي ، ويأتي هذا البحث الصغير Term paper لتتبع أهم ملامح الحياة الثقافية
بالمغرب الأقصى خلال حكم العلويين حتى سنة 1790م.
وقد استخدمنا المنهج التاريخي Historical approach ، في تتبع أهم جوانب
الحياة الثقافية بالمغرب الأقصى في العصر محل البحث ، وهذا المنهج يسمح لنا بالنظر
لهذه التحولات الثقافية كتراكم للأحداث ، ويسعى لفهمها بتصنيفها لمرحلة زمنية أو
موضوعية ، ثم الكشف عن أهم مميزاتها والعلاقة بينها.
ولم نقسم الموضوع بالشكل التقليدي لفصول ومباحث ، فالمادة العلمية لا تسمح
لنا بذلك ، ولذا انتهجنا الأسلوب الأمريكي في ترقيم العناصر والعناصر الفرعية عنها
، وهو الذي يتميز بالتسلسل في وضع الأرقام حتى استيفاء العناصر.
02
> خطة البحث <
- المقدمة :
01- الفترة
السابقة لقيام الحكم العلوي :
02- أهم الأنشطة الثقافية :
03- النشاط
الأدبي :
04- أشهر
الشخصيات العلمية :
05- الوراقة والنساخة
:
06- نمط الفكر الديني :
07- العلاقات الثقافية بين المغرب الأقصى والجزائر
:
08- الإصلاحات
الفكرية والثقافية بالمغرب الأقصى :
- الخاتمة
:
03
01- الفترة السابقة لقيام الحكم العلوي :
01/01- المرحلة الأولى :
تنقسم الفترة التي سبقت تأسيس الدولة
العلوية لثلاث مراحل ، حيث تمتد أولاها من وفاة أحمد المنصور الذهبي (1012هـ/1603م)
إلى موت ابنه زيدان (1037هـ/1627م) ، وفيها انهد صرح السعديين دفعة واحدة ، بعدما بادر
الفاسيون إلى مبايعة الأمير زيدان ، وكان المنصور قد استدعاه من مقر عمالته في
تادلا ، وولاه على فاس مكان المأمون ولي العهد المعزول ، ويرى المراكشيون في
استبداد الفاسيين استخفافا بشأنهم ، فيبايعون بدورهم أبا فارس خليفة المنصور في
دار ملكه ، وبدلا من أن يسعى ذوو المكانة والنفوذ لحل المشكل ، نجد علماء فاس قد أفتوا
بوجوب قتال المراكشيين ، عملا بحديث " إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما
" ، والتقى جيش الملكين الأخوين على ضفة نهر أم الربيع
ولم يحضر أبو فارس القتال بنفسه ، بل أناب
عنه أخاه المأمون بعد إخراجه من السجن ، وأسفرت المعركة عن انهزام زيدان ، ووجد المأمون
نفسه في عزة ومنعة بعد أن انضم إليه جند أخيه المهزوم ، فقلب ظهر المجن لأبي فارس
وأعلن نفسه ملكا على فاس ، وظل الإخوة الثلاثة يتنازعون الملك مدة طويلة ، دون أن
يتم الأمر لواحد منهم ، فعمت الاضطرابات أرجاء البلاد كلها ، وانتهى أمر المأمون
بتسليمه مدينة العرائش إلى الإسبانيين (1019هـ/1610م) طمعا في مساعدتهم له ، فغضب
عليه الشعب وقتله في ضواحي تطوان ، كما قتل أخاه أبا فارس خنقا قبله ، وقبع زيدان
أخيرا في مراكش صارفا نظره عما وراء نهر أمر الربيع ، تاركا أمر فاس وغيرها لعبد
الله بن المأمون ومنافسيه من الثوار ، وقد انقرض أمر السعديين في فاس بموت عبد
الملك بن المأمون (1036هـ/1627م). (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- تأملات حول الفترة التي سبقت تأسيس الدولة العلوية ،
04
ولم يهنأ زيدان حتى بالجنوب الذي قنع به ،
إذ قام عليه أحمد بن عبد الله بن أبي محلي في بلاد الساورة ، مدعيا أنه المهدي
المنتظر ، واستخف بعقول العامة في درعة وتافيلالت ، واستطاع أن يطرد من مراكش
زيدان الذي حمل معه أثناء فراره ما عز من الذخائر ، ومن بينها مكتبة المنصور
العظيمة المحتوية على 32000 مجلد ، وقد عهد الأمير المذعور بهذه الذخائر لبحار
فرنسي ، لينقلها له من آسفي لإحدى المراسي السوسية ، مادامت الطريق البرية غير
مأمونة ، فكانت تلك الكارثة الثقافية التي حرمت البلاد من عصارة أدمغة خيرة
أبنائها ، وألقت بالحمولة الثمينة في غياهب دير الإسكوريال بضواحي مدريد ، على إثر
مؤامرتي الاختطاف والقرصنة المشهورتين ، وطالت غيبة زيدان عن مراكش نحو ثلاث سنوات
، ولم يقدر على إخراج ابن أبي محلي من قصر البديع ، إلا على يد صوفي آخر هو يحيى
الحاحي ، الذي ظل شوكة في جنب زيدان ، يمن عليه بالنصرة ويستبد دونه ببلاد الأطلس
وسوس ، إلى أن مات في السنة التي سبقت وفاة زيدان.
01/02- المرحلة الثانية :
وشهدت المرحلة الثانية
(1037 ـ 1051هـ1627 ـ 1641م) مزيدا من التدهور في السلطة المركزية ، فعبد الملك المولى
الجديد كان أوهى عزما وأسوأ حظا من أبيه ، فلم يقدر على بسط نفوذه لأبعد من ضواحي
العاصمة ، وكان مصيره القتل على اتباعه ، كما لقي أخواه من بعده الوليد ومحمد
الشيخ نفس المصير المفجع ، وظهرت في الجنوب إمارة إيليغ ، التي استبد رئيسها أبو
حسون علي بودميعة ، حفيد الشيخ أحمد بن موسى السملالي بحوض سوس كله ، بعد أن انفسح
المجال أمامه بموت الحاحي ، وامتد نفوذ بودميعة في بعض الأحيان إلى بلاد درعة وتافيلالت
، وقامت إمارة المجاهد محمد العياشي ، وانضوت تحت لوائه جميع السهول الغربية من
آزمور إلى تطوان ، وأدى تكاثر المهاجرين الأندلسيين لخلق " المشكل الموريسكي
" ، إذ كونوا كتلة متميزة بعاداتها وعقليتها ، خصوصا بالرباط والقصبة ،
وعززوا أسطول الجهاد في العدوتين بما لهم من رجال ومال وسفن ، وقامت جمهوريات مدن
أبي رقراق الثلاث كالبندقية وجنوا ، وأدى اختلال توازن القوى إلى قيام فتن طويلة
الأمد بين الموريسكيين والمجاهد العياشي ، لم تنته إلا باغتيال هذا الأخير.
(01)
01- تأملات حول الفترة التي سبقت تأسيس الدولة العلوية ،
05
01/03- المرحلة الثالثة :
في هذه
المرحلة الأخيرة (1051 ـ 1080هـ/1641 ـ 1669م) ازداد تقلص النفوذ السعدي ، ولم يعد
لمحمد الشيخ المقيم في مراكش أي نفوذ إلى أن اغتيل ، وقتل بعده ابنه أحمد آخر
الملوك السعديين (1069/1658م) ، فاستبد عرب الشبانات بعاصمة الجنوب ، بينما اقتسم
سائر البلاد ثلاثة من المتزعمين : أبو حسون السملالي في سوس ، ومحمد الحاج الدلائي
في الأطلس والسهول الغربية ، ومحمد ابن الشريف العلوي في تافيلالت ، وكان محمد الحاج
قد نزع إلى الحكم إثر وفاة والده الشيخ محمد بن أبي بكر الدلائي ، وانضم إليه
برابرة زيان فأسس مدينة الدلاء أو الزاوية الدلائية الحديثة ، في سفح الأطلس بين
خنيفرة وقصبة تادلا ، واتخذها عاصمة أسكن معه فيها خمس قبائل ، من أكثر سكان
الأطلس المتوسط عصبية وحمية ، فاستكمل بذلك مظاهر الأبهة والسلطان ، وتكونت لديه
قوة حربية هائلة يصول بها ويجول زهاء ثلث قرن ، ويمتلك زيادة على الأطلس ومجرى
وادي ملوية بلاد تادلا والغرب حتى تطوان.
أما محمد الشريف العلوي فقد تزعم في منتصف
القرن 11هـ حركة خلع نير أبي حسون السملالي ، الذي كان من ضحاياه الشريف بن علي
الحسني ، بعدما قضى سنوات عديدة سجينا في سوس ، فما كان من الإبن الشاب محمد بن
الشريف إلا الثأر لأبيه ، وصار زعيم تافيلالت وأميرها بدون منازع.
وأدت هذه الفترة المظلمة
التي سبقت تأسيس دولة العلويين ، لتدهور كبير في الحياة الثقافية بالمغرب الأقصى
بسبب تقتيل العلماء وتشريدهم ، وإهمال شؤون الطلبة والمدارس ، باستثناء احتضان
المراكز البدوية للعلوم الإسلامية خاصة الزاوية الدلائية ، وقد نشأ عن تفكك السلطة
انعدام الأمن ، وفساد الأخلاق وتبديد الثروة ، وتوقف الحركة التجارية الداخلية والخارجية
، حتى ظهر الرشيد بن الشريف في المغرب الشرقي ، وقوي أمره بالدخول إلى تازا وفاس ،
ثم بالاستيلاء على تافيلالت إثر القضاء على أخيه محمد بن الشريف (1075هـ/1664م) ،
وتمكن في السنوات الخمس التالية من محو آثار الدلائيين والشبانيين والسملاليين ، وإعادة
البلاد لوحدتها. (01)
01- تأملات حول الفترة التي سبقت تأسيس الدولة العلوية ،
وعامة تعتبر الفترة العصيبة قبل تأسيس
الدولة العلوية من أخطر فترات تاريخ المغرب الأقصى ، لطول مدتها نحوا من 68 سنة ،
وبسبب المضاعفات السيئة التي توالت فيها ، فقد تفككت أوصال البلاد وكادت الوحدة
الوطنية تنهار ، وإذا بحثنا فيما كتبه الكتاب الذين عاشوا في ذلك العهد عنها ، فلا
نجد سوى لمحات خاطفة وردت عرضا ببعض كتبهم ، مثل " مرآة المحاسن للعربي
الفاسي ، و " المحاضرات " للحسن اليوسي ، و" مباحث الأنوار "
لأحمد الولالي ، ونجد كذلك طائفة من أخبار عهد ما قبل العلويين عند المؤلف المجهول
في " تاريخ الدولة السعدية التكمادرتية " ، وعند محمد الأفراني في "
نزهة الحادي " ، وحتى أبو القاسم الزياني لم يكتب عنها سوى بضع صفحات في "
البستان الظريف " وفي ذيل " الترجمان المعرب " و" بغية الناظر
والسامع " ، ويبقى أحسن ما كتب في الموضوع ما أتى به أحمد الناصري في "
الاستقصا " ، حيث نجد الجزء السادس ـ من طبعة الدار البيضاء ـ كله في الموضوع.
(01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- تأملات حول الفترة التي سبقت تأسيس الدولة العلوية ،
07
02- أهم
الأنشطة الثقافية :
02/01- الرحلات
السفارية :
أثار
الأنثروبولوجيون الانتباه منذ مدة طويلة لمدى التأثير الذي يحدثه السفر في سلوك
البشر ، وعلى القدرات الإدراكية لهم ، ونظرا لما للرحلة من فوائد فقد افتتن
المغاربة بها ، واشتهروا بالانتشار في الأقطار بدواعي مختلفة ، مخلدين بذلك بعض الأسماء
الشهيرة ، كما اهتم المؤرخين بكتب الرحلة لأهميتها كمصدر تاريخي ، رغم تصنيفها
كجنس أدبي ، وحصل إجماع بينهم بأن الرحلة عند المغاربة كانت أكثر نحو الحجاز ، إما
للحج في أكثرها أو لطلب العلم ولقاء الشيوخ والعلماء ، ما أسفر عن تأليف كم كبير
من الرحلات الحجازية.
أما الرحلة
السفارية فهي حسب محمد الفاسي : " التي تكون الغاية من سفر صاحبها القيام
بسفارة لدى دولة أجنبية ، وتكون أحيانا من إنشاء السفير نفسه ، إن كان في نفس
الوقت من رجال الأدب والعلم ، وأحيانا يقوم بتأليفها أحد الكتاب الذين رافقوا
السفير " ، ويجمع الدارسون للرحلات الحجازية والسفارية بأنها كانت أكثر في
العصر العلوي ، وخاصة بالنصف الثاني من القرن الثامن عشر ، الذي يتزامن مع عهد
السلطان محمد بن عبد الله (1757- 1790م) ، وهو العصر الذهبي للدبلوماسية المغربية
في العصر الحديث ، إذ نهج هذا السلطان سياسة خارجية ارتكزت على الحوار والتواصل مع
عدة دول ، لحل مشاكل عويصة ظلت لقرون تسبب القطيعة ، وتضفي على علاقات المغرب بالخارج
طابع العداء والصراع ، فبعث عددا كبيرا من السفارات للدول الأجنبية منها الدولة
العثمانية. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- محمد بوكبوط ، الرحلة السفارية المغربية خلال القرن الثامن عشر ، ندوة الجزائر الأولى 2004 ، نقلا عن الموقع : .
[http://alrihlah.com/nadawat/research/479]
08
02/01/01- رحلة
محمد بن عبد الوهاب الغساني :
شهد النصف
الأول من القرن 18م تأليف رحلة سفارية واحدة ، هي " رحلة الوزير في افتكاك
الأسير " لمحمد بن عبد الوهاب الأندلسي الغساني ، التي سجل فيها مشاهداته عن
سفارته لإسبانيا ، مبعوثا من طرف السلطان مولاي إسماعيل للملك كارلوس الثاني سنة 1102هـ/
1690-1691م (01) ، وقد كان الغساني من كبار مثقفي عصره ، وترجم
له القادري في نشر المثاني بقوله : " هو الكاتب الأرفع أبو عبد الله محمد
المدعو حمو بن عبد الوهاب ، الوزير الغساني الأندلسي الفاسي ، كتب للسلطان مولانا إسماعيل
، ... ، وقد أرسله مولانا ... إلى البلاد الروم بالأندلس ، بقصد استخراج ما بأيديهم
من أسرى المسلمين ، ... ، وألف في رحلته كتابا أسماه (رحلة الوزير ... ) " ،
وكانت وفاته سنة 1119هـ/1770م.
أما
رحلته هذه فكانت في عهد مولاي اسماعيل الطويل الأمد (1083هـ/1139هـ - 1673/1727م)
، وكان معروفا كخبير بأسماء الكتب وخطاط وناثر فني ، وحول سفارته إلى إسبانيا كتب المستشرق
الروسي : " وفي سنة 1689م عندما استرجع الشريف مدينة العرائش من الإسبان ،
ووقعت حاميتهم في يده ، فكر في أن يعرض على ملك إسبانيا استبدال الحامية بخمسمائة أسير
مراكشي ، ممن كانوا في الأسر بإسبانيا ، وخمسة آلاف كتاب من الأسكوريال ، ووقع
اختياره على الوزير الغساني ليضطلع بهذه المهمة. (02)
ويقول الوزير
عن رحلته في مبتدئها عند وصوله لميناء جبل طارق ، ما يلي :
" كان وصولنا إلى هذه المرسى ... أواسط محرم فاتح
اثنين بعد مائة وألف (1102هـ) ، وهو يوم ركوبنا البحر من قصبة أفراك المطلة على
سبتة أعادها الله دار الإسلام ، فوجدنا بالمرسى مركبا مهيئا مشحونا بالإقامة ... ،
وما يستحقه من الآلات ، وكان وجه بذلك الدوكي (الدوق) القاطن بمدينة سان لوكار ...
، وهو الذي ينتهي إليه أمر تلك الكوشطة (الميناء بالإسبانية) كلها ، وهو من أعيان أكابرهم
... له لقب ... الكندي (الكوندي) ... ". (03)
01- محمد
بوكبوط ، نفس المرجع.
02- محمد
الغساني الأندلسي ، رحلة الوزير في افتكاك الأسير 1690 - 1691م
، ط 01 ، تحرير وتقديم : نوري الجراح ، دار السويدي/أبو ظبي - المؤسسة العربية
للدراسات والنشر/بيروت ، 2002 ، ص 13-14.
03- محمد
الغساني الأندلسي ، نفس المصدر ، ص 33.
09
02/01/02- رحلة أحمد بن المهدي الغزال:
شهد عهد
السلطان محمد بن عبد الله تأليف خمس رحلات سفارية ، كلها من طرف سفراء بعثهم هذا
السلطان لوجهات مختلفة ، أولاها " نتيجة الاجتهاد في المهادنة والجهاد "
لأحمد بن المهدي الغزال عن سفارته لإسبانيا سنة 1766م ، وفيها يصف معالم المدن
التي مر بها وعادات أهلها ، وحفلات الاستقبال المقامة على شرفه ، كما يذكر التقدم
التقني الذي بلغه الإسبان آنذاك ، ويمكن اعتبارها مصدرا مهما لمعرفة أوضاعهم ، التي
ظلت مجهولة للمغاربة ، نتيجة لانغلاق الطرفين على نفسيهما في إطار الصراع الطويل.
02/01/03- رحلة
محمد بن عثمان المكناسي :
عرف عهد
السلطان محمد بن عبد الله كذلك ثلاث رحلات أخرى ، من تأليف السفير والوزير المؤرخ
محمد بن عثمان المكناسي ، الذي اشتهر كديبلوماسي في عهد السلطان محمد الثالث ،
وساهم في صنع أحداث سياسية ودبلوماسية كبيرة ، بتدشين عهد الانفتاح والتعامل
السلمي مع مختلف القوى ، ومما يميز إرث الرجل ابتعاثه في ثلاث رحلات سفارية ، وقد ألف
رحلة عن كل سفارة ، أولها المسماة " الإكسير في فكاك الأسير " حول
سفارته الأولى التي ساقته لإسبانيا سنة 1193هـ/1779-1780م ، حيث نجح في إبرام
معاهدة صلح وتجارة بين المغرب وإسبانيا ، واضعا بذلك حدا لقرون من العداء والتنافر
بين الدولتين.
وقد نشرت هذه الرحلة بتحقيق من الأستاذ محمد الفاسي ، الذي
يقول في تقديمه لها : " أما مؤلفه هذا … فهو كتاب حي يصف الحياة الإسبانية في
المائة الثامنة عشرة وصفا دقيقا ، فهو مولع بمعرفة الأشياء والاطلاع على أصولها
ومقاييسها وفوائدها ، يهتم بالحياة الاجتماعية وبالنشاط الاقتصادي والثقافي ، فما
ترك مظهرا من مظاهر الحياة الإسبانية من رقص وتمثيل ولعب ثيران وتفسح في الميادين
والشوارع ، إلى غير ذلك من أوجه النشاط العام لهذه الأمة إلا وتعرض له بالوصف
والتحليل". (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- محمد
بوكبوط ، نفس المرجع.
10
ومن
الجوانب التي أثارت انتباه السفير وأفاض في وصفها والإعجاب بها ، تلك المنجزات
الكبرى كالمراسي ودور الصناعة ، وشق الطرق وإنشاء القناطر واستصلاح الأراضي وبناء
السفن ، وهو ما يسمح لنا بمعرفة شكل التحولات في أوربا في ذلك الوقت ، وإلى جانب
وصفه الدقيق بدا ابن عثمان شخصية متنورة ومتفتحة ، مقارنة مع كثير من معاصريه ممن
زاروا أوربا بعده ، إذ اتسمت مواقفه من مظاهر الحياة في إسبانيا - البلد المسيحي -
بالتسامح والتفهم ، حيث حضر مثلا حفلات الرقص المختلطة التي أقيمت على شرفه ، وقدم
عنها وصفا محايدا ، واعتبرها من تقاليد المجتمع الإسباني ، ومن مظاهر الحفاوة
بالضيوف ، برغم تأففه من قيام قاضي بلدة لاخينيطا بمراقصة إحدى الحسناوات ، وحسبه
فهو : " لم يبال بالقوم الذين حضروا ... ، قبحهم الله فما ... أكثر اجتراءهم
" ، كما لم يبد أي حرج في إيراد بعض التفاصيل عن الديانة المسيحية ، وعموما
فهي شهادات سفير وفقيه مسلم عن أوضاع بلد مسيحي من دار الحرب ، ظلت صورته في
المخيلة الشعبية تغذيها قرون من الصراع والمآسي.
أما ثاني
رحلاته فهي المعنونة " البدر السافر لهداية المسافر إلى فكاك الأسارى من يد
العدو الكافر " ، دون فيها يومياته ومشاهداته من السفارة التي بعثه فيها محمد
الثالث لمالطة ومملكة نابولي سنة 1195هـ/ نوفمبر 1781 ، وكما يظهر من العنوان فالمهمة
الأساسية التي كلف بها ، كانت افتداء الأسرى المسلمين من جزيرة مالطة ، فساق
جزئيات غاية في الأهمية عن صعوبة العملية ، حيث أورد أن " ما وقع في شأن
الأسارى … صيرنا سكارى وما نحن بسكارى " ، لكنه نجح في إطلاق سراح ستمائة
وثلاثة عشر أسيرا ، وجههم في مراكب إلى كل من تونس وصفاقص وطرابلس وبنغازي ، وضمن
رحلته كذلك وصفا لأحوال جزيرة مالطة ونبذة من تاريخها ، أما نابولي فقد خصها
بدورها بصفحات تناولت أحوالها المختلفة ، من ذلك وصف عمرانها وأسواقها وحدائقها
وقصورها ، وزيارة مسرحها ومتحفها وأديرتها وسيركها ، والوقوف على منشآتها الصناعية
وإيراد موجز لتاريخها. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- محمد
بوكبوط ، نفس المرجع.
11
وعلاوة على
ذلك ينفرد البدر السافر بمقامات طريفة ، أبدع فيها ابن عثمان في هجاء رفاقه في
البعثة ، ما يكشف على جوانب من العلاقات في صفوف النخبة المخزنية ، ورغم قساوة
مآخذه على رفاقه ، فإن ما تناوله ينم عن صراحة قلما تذكرها باقي المصادر ، خاصة وأن
بعض السلوكات كادت تفشل مهمته في افتداء الأسرى ، بسبب الصورة السلبية التي عكستها
لدى الأوربيين ، وفي هذا يقول ناصحا المسافر لأوربا : " فإنه ينبغي لمن يسلك
بلاد النصارى أن يكون ذا نفس أبية ، في الرفاهية رابية وهمة عالية ومروءة للرذائل
قالية ، حتى لا يلتفت إلى ما يموهون به أولئك النصارى من زخاريفهم ".
وخلاصة القول
أن السفير والوزير محمد بن عثمان أجاد في رحلتيه ، فبفضلهما نستطيع تكوين فكرة عن
نظرة سفير مغربي لبعض المجتمعات الأوربية ، ونقف مثلا على التحولات التقنية
والتنظيم المحكم لمظاهر الحياة لديها ، ولكن إدراك خطورة تلك التحولات على مستقبل
العلاقة بين الغرب والمسلمين ، كان لا يزال غائبا ، كما تظهر هاتان الرحلتان أوضاع
البحر الأبيض المتوسط ، والأدوار التي قام بها السلطان محمد بن عبد الله لتحرير
الأسرى ، وفي ربطه للصلات التجارية وإبرام المعاهدات لحماية المصالح المغربية.
أما الرحلة الثالثة
التي وضعها ابن عثمان ، فقد ألفها عن سفارته الثالثة التي قادته لإسطنبول والشام
والحجاز وفلسطين وتونس والجزائر ، مرورا بإسبانيا وصقلية خلال رحلة الذهاب وقبرص
في الإياب ، واستغرقت حوالي ثلاث سنين ، وتزخر هذه الرحلة بصفحات طويلة عن الرغبة
في لقاء العلماء ، ومجالستهم والتناظر معهم وطلب الإجازة منهم ، مما يجعل من رحلته
فهرسة كبيرة ، علاوة على حرصه الشديد على زيارة قبور وأضرحة الأنبياء والأولياء
والصالحين ، ما يجعلنا أمام رحلة تبدو سفارية وحجازية في آن. (01)
واعتمادا
على هذا الإرث الذي خلفه محمد بن عثمان المكناسي ، يمكن اعتباره أغزر مؤلفي
الرحلات السفارية في تاريخ المغرب الحديث ، وقد كانت له نية تأليف كتاب عن سفارته
الأخيرة إلى إسبانيا في عهد السلطان اليزيد بن محمد الثالث (1790- 1792م) ، لكن
التقلبات والتطورات السياسية التي عاصرها في بداية عهد مولاي سليمان (1792-1822م)
شغلته عن ذلك ، ثم كانت وفاته في طاعون سنة 1799م. (01)
01- محمد بوكبوط ، نفس المرجع.
12
02/01/04- رحلة
أبو القاسم الزياني :
تعد الرحلة
الأخيرة من بين الرحلات التي ألفت في هذا العهد ، وهي بدورها لسفير ورجل دولة كبير
، لعب أدوارا مهمة في هذه الفترة من تاريخ الدولة العلوية ، ونقصد به أبا القاسم
الزياني الذي عاصر على غرار ابن عثمان ، السلاطين محمد الثالث وابنيه اليزيد
وسليمان ، وإذا كان ابن عثمان يتميز بغزارة الإنتاج في حقل الرحلة السفارية ، فإن
الزياني يبزه من حيث الإنتاج التاريخي عموما ، إذ ألف ما يربو على عشرين مؤلفا ، ومن
أهم وأشهر كتبه " الترجمانة الكبـــــرى في أخبــــار المعمرة برا وبحرا
" ، والذي صــــدره بقوله : " وبعد … إني لما رمت بي الأقدار وجلت في
الأقطار ، وشاهدت كثيرا من الأمصار في البراري والبحار ، ووقفت على كثير من
الأخبار واجتمعت بجملة وافرة من الأمراء الأبرار ، والعلماء النجباء الأخيار ،
واستفدت منهم ما شاء الله من الآثار ، وقيدت من أحوال هذا العالم ما في دواوين
الأخبار ، وعدت ممتليء الحواصل من خبر الأواخر والأوائل ، ولما ألقيت عصى التسيار
واستقرت بنا الدار … جمعت ما قيدته في رحلاتي الثلاث وما شاهدته من الأمصار
والبحار وما لقيت من السادات ، جعلته رحلة واحدة … وسميتها الترجمانة الكبرى والتي
جمعت أخبار العالم برا وبحرا " ، وضمن الزياني هذا المؤلف مشاهداته وتجاربه ،
خلال الرحلات التي خرج فيها من المغرب للمشرق ، إذ رحل لأول مرة سنة 1169هـ/1755م لأداء
مناسك الحج ، وعاد لينخرط في الخدمة المخزنية.
أما رحلته الثانية
فكانت سنة 1200هـ/1786م مبعوثا من طرف السلطان محمد بن عبد الله للسلطان العثماني عبد
الحميد الأول ، في أوج توتر أوضاع البحر المتوسط الغربي وخاصة العلاقات الجزائرية
الإسبانية ، ليرحل للمرة الثالثة سنة 1792م عقب إجباره من طرف السلطان سليمان بن
محمد على تقلد عمالة وجدة ، التي قال عنها : " التي في حيز الإهمال وأزعجني
لها من غير إمهال " ، وقادته الرحلة إلى تلمسان وتونس فاسطنبول ليحج صحبة
الركب العثماني ، ثم أقام بمصر ليعود منها للحجاز ثم فلسطين والشام. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو القاسم الزياني ، الترجمانة الكبرى في أخبار
المعمورة برا وبحرا ، تحقيق : عبد الكريم الفيلالي ، مطبوعات فضالة ، فاس ، 1967م
، ص 10-45.
13
وقد اعتمد
الزياني في جمع مادة الترجمانة على كثير من المظان ، صرح بالعديد منها كرحلة
العياشي الذي اقتفى أثره على حد تعبيره ، أو رحلة البكري وغيرهما من المؤلفات التي
وقف عليها خلال ترحاله ، لكن المثير للتساؤل هو سكوته عن كتاب الإحراز ، ويعتقد
بعض المؤرخين أنه بسبب خصومته لابن عثمان ، ولكن الزياني عاش سنينا بعد وفاة الأخير
، وبالتالي كان بإمكانه الحصول على نسخة من إحراز المعلى.
ومن هذه
الشهادات التي يفرض المقام الوقوف عندها ، ما سجله السفير ابن عثمان عن مروره بأرض
الجزائر ، حيث أعجب بمدينة قسنطينة التي وصفها بأنها " مؤسسة على ربوة يمر
بأصلها هذا الوادي ومنه يشربون ، ... ، وهي مدينة متوسطة يسقفون أسطحة بيوتها
بالقرميد ، ... وبها رخاء كثير والأشياء موجودة ، إلا أنها إلى البادية أقرب ، وهي
من عمل صاحب الجزائر وبها خليفته ويسمونه باي الشرق ".
كما تفيد
روياته في معرفة بعض جوانب أوضاع الجزائر ، إذ يشير إلى أنه خلال سفره من قسنطينة
في اتجاه مدينة الجزائر " مررنا في بلاد في هذه المسافة يقال لها البيبان ، ما
رأيت أصعب ولا أمنع منها ، فهي بيبان (أبواب) حقيقية لأن الطريق تمر بين جبال في
وسط نهر ، ... ، ولما وصلنا إلى الجزائر خيمنا بظاهرها ولم ندخل إليها ، وقد وجدنا
فيها الوباء نعوذ بالله ، وقد كان قبل وصولنا إليها قويا ، ... ، وزرنا تربة
الأستاذ البركة سيدي عبد الرحمان الثعالبي ، ... وهذه المدينة في غاية التحصين
والمنعة من البر والبحر ، ... ، لأن النصارى كثيرا ما يقصدونها بالمراكب الحربية
والعساكر الكثيرة ". (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو القاسم الزياني ، مصدر سابق ، نفس الصفحات.
14
ورغم أهمية
هذه النصوص التاريخية ووفرتها في هذا العصر ، إلا أن كثيرا من المغاربة أهملوا تدوين
رحلاتهم ، ما حرمنا من شهادات ثمينة ، وفوت على المؤرخين إمكانية مقارنة النصوص بحثا
عن الحقيقة ، فمعلوم أن السفارات ضمت أكثر من شخص ، لكنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء
تدوين ما شاهدوه ، وقاموا به أثناء ترحالهم وأداء مهماتهم ، بسبب التقاليد الشفوية
للمخزن المغربي ، حيث لم يكن أعضاء السفارة مطالبين بتقديم تقارير مكتوبة عن
مهماتهم ، إضافة لانعدام تقاليد حفظ الأرشيفات وتنظيم المكتبات ، ومع ذلك يبقى ما
وصل إلينا من كتب الرحلات السفارية مهما ، ويجعل العصر العلوي متميزا بها ، وفي
هذا الإطار كرم المشروع الجغرافي العربي " ارتياد الآفاق " كتاب " إحراز
المعلى " بمنحه جائزة ابن بطوطة في دورتها الأولى ، عرفانا باسهام صاحبه ونشرا
لتراثه المخطوط. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو القاسم الزياني ، مصدر سابق ، نفس الصفحات.
15
03- النشاط الأدبي :
03/01- التصانيف والأدباء :
تبلورت في العهد العلوي بعض الخصائص الأدبية
، كالإكثار من التصنيف حيث بلغت تآليف أبي زيد الفاسي مائة وسبعين مصنفا ، شملت
الطب والفلك زيادة على التاريخ والتنجيم والكيمياء ، هذا بينما لم يحصى للصومعي
قبل ذلك سوى ستين مصنفا.
وفي
العصر العلوي زاحم الدلائيون مدينة فاس ، ونبغ منهما خلال القرن الحادي عشر محمد
المسناوي ومحمد بن عبد الرحمان ، وبينما كان الدلائيون والناصريون يتقاسمون النفوذ
الثقافي آخر أيام السعديين ، في بادية أقصى الجنوب وبعض نواحي الأطلس ، أصبح هذا النفوذ
ميدانا يكاد يحتكره الشرقاويون ، الذين لم يكن نشاطهم ثقافيا أكثر منه صوفيا كما
كان الحال بالنسبة للزاويتين الدلائية والتمغروتية.
وقد عرف العصر العلوي أطباء من بينهم
المرغيثي وابن زاكور ، الذي ذيل أرجوزة ابن سينا في الطب ، وآل أدراق البرابرة
الذين توارثوا مهنة الطب أبا عن جد ، وقد واصل هؤلاء الحلقة التي بدأها في المغرب
بنو زهر ، وبنو أفلاطون الفاسيون في العهد الموحدي.
وقد امتاز العصر العلوي بوفرة التآليف ، لا سيما
منها تراجم الصوفية والشروح الفقهية والحواشي والذيول والأراجيز ، وظهور أنماط
جديدة من التآليف كمحاضرات اليوسي وقانونه ، وأقنوم عبد الرحمن الفاسي ورحلة
العياشي ، وكلها تعد دوائر معارف لما كان يروج في ذلك العصر ، على أن " الأنيس
المطرب " للشريف العلمي يعد أيضا فتحا جديدا في ذلك العصر لصبغته الأدبية
الصرفة ، وتخصيصه تراجم ضافية لاثني عشر من أبرز أدباء العهد العلوي ، كالحلبى
وابن زاكور ومسعود المريني والعربي الشرقي ، والمهدي الغزال وعمر الحراق
والبوعصامي الموسيقار وغيرهم. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- الثقافة والعلم في العصور الحديثة بالمغرب ،
16
ومن الظواهر التي امتاز بها العصر العلوي
حرية النقد حتى أن محمدا الضعيف مؤرخ الرباط ، كتب صفحات نقدية شديدة اللهجة ضد
العائلة العلوية ، كما كتب الحسين ابن السلطان محمد بن عبد الله مؤلفا ضد الدولة
العلوية وحكومة والده ، كما تبنت فاس الإمام الحلبي أيام المولى اسماعيل ، والذي برز
في المديح النبوي على الطريقة الصوفية ، بما فيه من التغني بالحقيقة المحمدية ، مما
أدى إلى منافرة بينه وبين اليوسي.
وهكذا فإن الحركة الأدبية لم تكن محصورة في
دائرة الكتاب المخزنيين ، ببلاط مكناس في عهد المولى اسماعيل ، كما كتب المستشرق
الفرنسي ليفي بروفنسال ، وإن من الصعب التمييز بين الحالة الفكرية في القرن العاشر
والتي للقرن الحادي عشر والثاني عشر ، ويعد الأدباء المخضرمين الذين عاشوا في
أعقاب السعديين وأوائل العلويين ، صورة لوحدة الطابع الثقافي من كافة النواحي.
وقد أغرق العلماء في التصنيف حتى بلغت
تآليف بعضهم المائة والسبعين ، وهذه الوفرة من أبرز ميزات العهد العلوي ، يضاف
إليها التنوع حيث تجد الرجل الواحد يؤلف في الطب والهيئة والفقه والتاريخ والتراجم
والآداب ، وكانت بعض المصنفات صورة صادقة للعصر كمحاضرات اليوسي ، التي تصور حرية التفكير
ومساجلات الأدباء والصوفية في حضراتهم ، والملبسين في دعاويهم والعوام في خرافاتهم.
ثم
ينبثق القرن الثاني عشر فيتسع نطاق النشاط الفكري ويتضخم التنوع ، فيظهر أمثال
الزياني والوزير الغساني والشريف العلمي ، فرحلة الغساني إلى إسبانيا هي وثيقة
عرفت أدباء المغرب إذ ذاك بأساليب الحياة في بلدان مسيحية ، ووصفت المجتمعات
الأوروبية وحياة البلاطات والطبقات الارستقراطية الإسبانية ، ونجد الشريف العلمي
يتجه بالتصنيف اتجاها فنيا يهدف للنقد والتحليل والتنظير ، من خلال محاورات أجراها
مع اثنى عشر من معاصريه كالحلبي ، ورغم ذلك ظل موسوما بالطابع العام للتصنيف في
القرن الثاني عشر ، وهو الانتشار وعدم التزام موضوع واحد. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- الثقافة والعلم في العصور الحديثة بالمغرب ،
17
ويمكن القول بأن تلك النهضة الأدبية الرائعة
التي عمت بلاد سوس في العهد العلوي ، جعلت القرائح تتفتح على أبدع ما أنتجه الفكر
المغربي ، ويرجع فضلها كذلك للحركة الناصرية التي نشرت العلوم والفنون إلى تخوم
الصحراء.
03/02- دور الزوايا في ترقية الأدب المغربي :
وفي هذا العصر كانت زاوية شرقاوة في ناحية
تادلا محفلا للأدب والفنون ، وقد خلفت الزاوية الدلائية وشملت بعطفها كثيرا من
الأدباء ، الذين وجدوا لديها المقام الرحب كالوفراني ، الذي بدأ حياته التصنيفية
بشرح بديع لتوشيح ابن سهل الأندلسي ، وهو نموذج للنثر الفني في ذلك العصر ، أما
الزاوية الناصرية فقد احتفظت بإشعاعها في الجنوب ، وفي " الدرر المرصعة
" لمحمد المكي الدرعي صور ناصعة لآثار هذه الزاوية في العلم والأدب ، والكتاب
ينطوي على معلومات أدبية قيمة وقصائد رائعة ، منها مقطوعات كلها تفجع على الدلائيين
، كقول العربي الفاسي :
أدار بذات السدر في الجانب الشرقي سقاك الحيا مادام صوب الحيا يسقى
أما درعة فقد قيل فيها بين ما قيل ألمم بدرعة واختر للنزول بها
زاوية الفضل مأوى المجد والكرم.
وبعد أن انهارت المراكز العلمية التي كانت
تزاحمها كزاوية الدلائيين ، أو تقلصت كزاوية الناصريين ، وقد كان كل منهما مقصد طلاب
العلم ومجمع العلماء والشعراء والأدباء ، ولكن هذا الانقلاب لم يمس المجموع ، بل كان
مجرد انتقال من جهة لجهة ، وبقدر ما تضاءل إسهام الدلائيين خلال العهد العلوي ، بقدر
ما تضخمت مشاركة الناصريين في نشر الثقافة بإقليم سوس والجنوب عامة ، غير أن
المدارس الثقافية ظلت هي أسلوبا وغاية. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*
يطول استعراض النماذج المختلفة للحياة العقلية في العصر العلوي ، وفي كتاب " نشر
المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني عشر " لمحمد القادري مادة وافية ، لمن
أراد أن يقف على ألوان الحركة الفكرية بالمغرب خلال قرنين.
01- الثقافة والعلم في العصور الحديثة بالمغرب ،
18
03/03- دور الأسرة الفشتالية في الحياة الأدبية :
ظهرت في نهاية
دولة السعديين
شخصيات من
آل فشتال ، ولكنها لم
تحظى بالشهرة
والمكانة التي
حظي بها أعلام
هذا البيت
في العصر
المريني ، ومنهم أحمد
علي الفشتالي
(ت1015
هـ/1607م)،
الذي كان
أديبا وشاعرا
ولكنه لم
يشتهر، لكونه عاش
في بادية
فشتالة دون
أن يلتحق
بمدينة مراكش
أو مدينة
فاس ، وهناك سليمان
بن أحمد
الفشتالي (ت1028 هـ/1794م) وهو فقيه
وناظم، له علم
الفلك والتوقيت
وشرح سلك
اللالي في
مثلث الغزالي ، وكذلك عبد
القادر أحمد
الفشتالي (ت1030 هـ/1620
م) الذي
كان أديبا وشاعرا ، غادر
بادية فشتالة
وذهب إلى
مراكش، ليكون كاتب
أبي فارس
عبد الله
الواثق بن
أحمد المنصور الذهبي
، وأيضا نجد أبا القاسم أحمد
المعروف بالغول الفشتالي
(ت 1059هـ/1639م) الذي كان فقيها
فضلا عن
مهارته في
الطب والهندسة
، ودرس
في فاس ثم
عاد إلى
البادية، و له
تأليف " الجمع
بين الأحاديث النبوية للأطباء
والحكماء ". (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- إيمان
عبدالرحمن العثمان
، " الفشتاليين في المغرب الأقصى ودورهم في الحياة العامة
" ، مجلة كلية العلوم الإسلامية ، المجلد
السابع ، العدد
13 ، جامعة
الموصل (العراق) ، 1434هـ/2013م ، ص 13.
19
04- أشهر الشخصيات العلمية :
04/01- ابن زاكور الفاسي :
هو أبو عبد الله محمد بن قاسم بن محمد بن عبد
الواحد بن أحمد بن زاكور الفاسي ، من عائلة ابن زاكور الشهيرة بفاس ، وهو أديب وكاتب
وشاعر لغوي ، من أشهر مؤلفي الآداب العربية من المغاربة ، وقد ولد ونشأ بفاس وأخذ العلم
عن جل مشايخها ، كالشيخ محمد بن عبد القادر الفاسي وأحمد ابن الحاج والقاضي بردلة
وأبي عبد الله القسنطيني وعبد السلام القادري ، كما أخذ عن أبي عبد الله اليوسي
لما قدم إليها سنة 1095هـ ، وبمراكش أخذ عن أبي العباس العطار أرجوزة ابن سينا في
الطب ، وقد استدعى منه قراءتها. (01)
وأخذ بتطوان عن رجلها الفذ وإمامها الأوحد
الشيخ علي بركة ، وبالجزائر عن مفتيها الشيخ محمد بن سعيد قدورة ، والشيخ عمر
المنجلاتي ومحمد بن عبد المؤمن الشريف وغيرهم ، أما الشيخ الإمام عبد القادر
الفاسي ، فلم يأخذ عنه سوى في زمن الصبا ، ومن هنا يمكننا تحديد تاريخ ولادته
المجهولة بالتقريب ، باعتبار وفاة شيخه عبد القادر الفاسي سنة 1091هـ ، وهو كان
عنده تقريبا في سن الثانية عشرة ، إذن ستكون سنة ولادته بعد 1075هـ ، واشتهر في
الأدب ونظم الشعر ، وصار ممن يشار لهم بالبنان ، وقد رحل لتطوان والجزائر ومراكش ،
وأخذ عمن كان بها من أهل العلم ، ورحلاته لتطوان كانت ما بين 1092 و1093هـ ، ومنها
للجزائر في نفس السنة ثم عاد لتطوان في السنة التالية ، أما وفاته فكانت سنة 1120هـ (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عبد الله كنون ، ذكريات
مشاهير رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة ، تقديم واعتناء وترتيب : محمد
بن عزوز ، ط 01 ، ج 01 (في العلم) ، مركز التراث الثقافي العربي (الدار البيضاء) -
دار ابن حزم (بيروت) ، 2010 ، ص 1267-1329.
20
وعلو
كعبه في اللغة العربية وآدابها يرجع لاتصاله بأبي علي اليوسي ، وأخذه عنه ونسجه
على منواله في شعره ، وأشار هو نفسه لهذا التأثر العظيم
باليوسي ، فقال في شيخه : " وأما حبر الأحبار وجهينة الأخبار وزين القرى والأمصار
، العديم النظير في سائر الأقطار ، من أسعد بمطالع أنواره كواكب نحوسي ، مولانا أبو
علي سيدي الحسن بن مسعود اليوسي أطال الله مدته " ، ومما قاله فيه شعرا :
علامة الدنيا بلا ثنيا ومصقعها
المسدد
بحر الشريعة والحقيقة فاض فيضا
ليس يعهد
ومن درس شعر ابن الطيب العلمي وصاحبه الشرقي ، يرى كثيرا من أثر ابن زاكور عليهما ، ولكنهما لم ينتهجا نهجه في نسج غريب
اللغة ، كما أنه هو نفسه لم يكن يغلو في ذلك المذهب غلو اليوسي ، ولكن له فيه آثار
معدودة للتدليل على تضلعه في اللغة ، وشعره في غالبه سهل رقيق ، وقد عرف له
معاصروه هذا ، ومما حلاه به الشيخ علي بركة في إجازته قوله : " من شب به زمان
الأدب بعد الهرم ، وهب به أوان المجد والحسب ... الجهبذ الأريب المصقع ... المشارك
المتقن الفقيه النبيه ... أبو عبد الله سيدي محمد بن قاسم بن محمد بن عبد الواحد
بن زاكور ... " ، ولشيخه أبي علي اليوسي هذان
البيتان في مدح اجتهاده في طلب العلم :
لله در ابن زاكور وشيمته
وما أعد لجمع العلم من عدد
تلقاه في كل ما وقت ولو سفرا
في جيبه الة الكتاب او بيد (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عبد الله كنون ، مرجع
سابق ، نفس الصفحات.
21
وهناك تحلية ابن الطيب العلمي له في "
الأنيس المطرب " ، وقد اشتملت على أوصاف شتى ، وتضمنت الإشارة لكل العلوم
التي كان لابن زاكور فيها مقام معلوم ، وهي : " وحيد البلاغة وفريد الصياغة
الذي أرسخ في أرض الفصاحة أقدامه ، وأكثر وثوبه على حل المشكلات وإقدامه " ،
وأيضا بكر بقول الشعر الجيد وكتابة النثر الجيد ، كما يدل عليه تأليفه لرحلته من
النثر المسجوع القوي سنة 1094هـ ، ومن بين مؤلفاته نذكر :
- عنوان النفاسة في شرح ديوان الحماسة.
(ثلاثة أسفار/مخطوط)
- مقباس الفوائد في شرح ما خفي من القلائد.
(قلائد الفتح ابن خاقان/مخطوط)
- الصنيع البديع في شرح الحلية ذات البديع.
(التي لبديع الصفي الحلي)
- الجود بالموجود في شرح المقصور
والممدود. (لابن مالك)
- تفريج الكرب عن قلوب أهل الأدب في
معرفة لامية العرب. (مطبوع)
- المعرب المبين عما تضمنه الأنيس
المطرب وروضة النسرين. (مطبوع)
- أنفع الوسائل في أبلغ الخطب وأبدع
الرسائل.
- الروض الأريض في بديع التوشيح ومنتقى
القريض. (هو ديوانه/مخطوط)
- الروضة الجنية في ضبط السنة الشمسية.
(أرجوزة في التوقيت وحساب أيام العام)
- نشر أزاهر البستان فيمن أجازني
بالجزائر وتطوان. (رحلته المطبوعة)
وله نثر علمي كما في لامية العرب ، ونثر فني كما في رحلته ورسائله وخطبه ،
وقد قال يمدح الشيخ علي بركة ، بقصيدة من نفيس الشعر نظمها سنة 1093هـ ، وهي من
أوائل نظمه : إلى من فؤادي
يذوب زفيرا لقد كدت أقضي معنى حسيرا
عراني من الوجد ما قد نفى كراي وأذكى حشاي سعيرا (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عبد الله كنون ، مرجع
سابق ، نفس الصفحات.
22
04/02- ابن الطيب العلمي :
هو أبو عبد الله محمد بن الطيب بن أحمد بن
يوسف بن أحمد الشريف العلمي ، أديب وشاعر من أهل فاس ، وسنة ولادته غير معروفة ،
وحتى هو لم يشر لها بالرغم مما ذكره عن نفسه في كتاب الأنيس المطرب ، ولكنه يتأخر
عن زمن المولى إسماعيل ، لأن وفاته كانت سنة 1134هـ ، أي قبل وفاة السلطان بخمس
سنين ، وبالتالي فقد قضى حياته من مبتدئها لنهايتها في ظل الدولة الإسماعيلية ،
وهذا الأمر يمكن استنتاجه من قصيدة له رثى بها الشيخ سيدي محمد بن مولاي عبد
الشريف ، حيث قال : " ... وكان نظمي لهذه القصيدة ارتجالا في زمن الصغر ... "
، والشيخ المذكور مات سنة 1120هـ.
وله قصيدة رثى بها شيخ وزان ، وأيضا
أخرى صدر بها ديوانه الأنيس المطرب في مدح المولى إسماعيل ، وقد رثى شيخ تطوان علي بركة في
قصيدة مطلعها :
مني عليك السلام والبركة يا واحد العصر يا علي بركة
وله كذلك شعر كثير في المدح ، أما نثره فهو السجع
المعهود على عصره ، ولكنه لم يكن من المتكلفين ، وكان يرى التجاء البعض للغريب
سترا لعجزهم ، وأهم ما خلفه مــــن آثار كتابه " الأنيس المطرب " الذي
ترجم فيه لإثني عشر أديبا من أهل عصره ، وضمنه غالب شعره مع استطراد وحشو كثيرين ،
وهو مطبوع طبعة حجرية في فاس سنة 1315هـ ، أما وفاته فكانت بمصر متوجها لزيارة
البقاع المقدسة سنة 1134 أو 1135هـ. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عبد الله كنون ، مرجع
سابق ، ص 1301-1327.
23
04/03- ابن الونان :
هو أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن
الونان الحميري النسب ، والملوكي القبيل التواتي الأصل الفاسي الدار ، وقد أحرز
شهرة واسعة ، وأظلته دولة السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، كما كان والده من ندماء
السلطان سيدي محمد بن عبد الله ، وأديبا ظريفا صاحب نوادر وملح ، وقد كنى والده بأبي الشمقمق
تشبها بالشاعر الكوفي الماجن ، المذكور في كتب الأدب كالعقد الفريد ، ولزمته هذه
الكنية حتى وصلت لابنه وأرجوزته الشمقمقية.
وقد ذكر الجريري أنه تلقى دروسه العلمية بفاس على أجل شيوخها كمحمد بن قاسم
جسوس وعمر الفاسي ومحمد التاودي ابن سودة ومحمد بن الحسن بناني وغيرهم ، وأخذ
الشعر والأدب عن والده ، وأنشد لاحقا شمقمقيته في البلاط العلوي فاستحسنها السلطان
وأجزل له العطاء ورفع منزلته ، ولم يكن اتصاله بالسلطان سيدي محمد بن عبد الله في
حياة والده ، لأن الوسيلة التي اتخذها تمنع ذلك ،إلا أن يكون الوالد قد مات ، فلما
أعياه الأمر تحين خروج السلطان واعترض موكبه ونادى :
يا سيدي سبط النبي أبو
الشمقمق ابي
فعرفه السلطان وأمر بإحضاره بعد بلوغه
لمنزلته في الأدب والشعر ، وأنشد أرجوزته تلك التي استحسنها السلطان ، ورفعت مرتبة
الشاعر عنده ، وبعد هذا يسود الغموض حياته فلا يعرف عنه ، إلا تاريخ وفاته سنة
1187هـ ، وعموما فهو شاعر مكثر ، ومما ذكره في ذم الحسود في شمقمقيته :
فبشرن ذاك
الحسود انه يظفر في بحر الهجا
بالغرق
وآثاره عدا أرجوزته هي :
- قصيدة في مدح السلطان سيدي محمد بن
عبد الله.
- رسالة مسجوعة للشيخ سيدي المعطي بن
صالح صاحب ذخيرة المحتاج.
- نظم رصين لمسائل ابن
خميس.
01- عبد الله كنون ، مرجع
سابق ، ص 1328-1359.
24
أما الأرجوزة الشمقمقية فهي اعظم آثاره ، وهي على روي القاف وعدد أبياتها
275 بيتا ، وتنقسم لثمانية أقسام شعرية حسب الأغراض ، وذلك في النسيب والتغزل
والحماسة ومخاطبة الحسود والحكم والأمثال والوصايا ، ومدح الشعر والسلطان
والأرجوزة ، وتحدي الشعراء أن يأتو بمثلها ، وقد شرحها العلامة الناصري السلاوي في
مجلدين مطبوعين بفاس سنة 1314هـ ، ومن أمثلة أبياتها نذكر :
مهلا على رسلك حادي
الاينق ولا تكلفها بما لم تطق
فطالما كلفتها وسقتها
سوق فتى من حالها لم يشفق
وكانت وفاته سنة 1187هـ (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عبد الله كنون ، مرجع
سابق ، نفس الصفحات.
25
05- الوراقة والنساخة
:
عرف المغرب مع الدولة العلوية حياة الاستقرار ، فانتعشت الحركة العلمية
وتبعتها الحاجة الملحة إلى الكتب ، ولم تكن الطباعة وصلت آنذاك للمغرب ولا لأي جهة
إسلامية أخرى ، وهنا برز دور النساخة لتلبية طلبات المتعلمين والمعلمين والمؤلفين
، وزاد من أهمية هذه المهنة ظهور رغبة في تأسيس خزانات جديدة للكتب ، على
المستويات الحاكمة ومن جهة الميسورين من المثقفين ، وأيضا على مستوى الزوايا ، وبهذا
ظهر وراقون خصوصيون إلى جانب الوراقين للعموم ، وتبع نشاط الخطاطة وجود طبقة
المصححين للمستنسخات والمزخرفين لها ، والمخرجين للمؤلفات من المبيضات والتعليقات.
وقد حافظت الخطاطة في هذه الفترة على تنوعها ، من التخطيط المغربي إلى الأندلسي
إلى المشرقي إلى الكوفي ، مع طبع الأنواع الثلاثة الأخيرة بالطابع المحلي ، ومن جهة
التصحيح للمستنسخات تمت المحافظة على التقاليد المرعية في هذا الصدد ، وهنا يقول
المسناوي : " اكتب وقابل وإلا إطرح في المزابل " ، وقبله عاش أبو علي
اليوسي في الفترة التي سبقت قيام الدولة العلوية ، ولاحظ الفوضى السياسية التي
تسربت آثارها للخطاطة ، ولهذا أوصي بالإلتفات لهذه المهنة ، وتنظيم الرقابة على
الناسخين.
ومن
أشهر الوراقين لهذا العصر نذكر :
-
محمد بن محمد الثعالب (ت 1099هـ/1688م).
-
ابن إبراهيم الفاسي (ت 1126هـ/1714م).
-
أحمد بن علي الوجاري (ت 1141هـ/ 1729م).
-
ابن سليمان الفاسي (ت 1141هـ/1729م).
-
العطار المراكشي (ت 1105هـ/1694م).
-
الوزير محمد بن عبد الوهاب الغساني (ت 1119هـ/1708م). (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- محمد المنوني ، تاريخ الوراقة المغربية ، ط 01 ، كلية الآداب
والعلوم الإنسانية ، الرباط ، 1991، ص 113-117.
26
-
ابن يحي السوسي (ت 1124هـ/1713م).
- الحافي السلاوي (ت 1163هـ/1750م).
- العكاري الرباطي (ت 1179هـ/1765م).
- الحضيكي الجزولي (ت 1189هـ/1776م). (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- محمد المنوني ، نفس المرجع ، نفس الصفحات.
27
06- نمط الفكر الديني :
كان قيام الدولة العلوية
تطورا فكريا أساسيا في تاريخ المغرب ، بقدر ما كان أيضا تطورا سياسيا له انعكاساته
الداخلية والخارجية ، وقد قامت في ظرف تاريخي فريد من تاريخ المغرب ، اجتاحت فيه
النفسية المغربية احساسات عميقة بالمخاطر الجذرية التي تهدد الثقافة العربية
والإسلامية ، والتي كانت تواجه تحدي التوسع البرتغالي ، وما يرتبط بهذه المواجهة
من ملابسات في الشعور الديني ، وكان من أولى النتائج المترتبة عن ذلك ، سيادة
عقلية الحفاظ على الكيان الديني والحضاري للمسلمين المغاربة ، وقد اكتست الحرب
الدائرة صبغة جهاد ديني ، شارك فيه علماء العصر ، وفي هذا الظرف من صعود الحماس
الديني لدى المغاربة ، جاء قيام الدولة العلوية كعامل حاسم في استقطاب المشاعر
الجهادية ، قد تبلورت معالم جديدة ، فرضها واقع الفكر الجديد إثر قيام الدولة
العلوية ، وهي :
01) انمحاء أثر التيارات الدينية المتعارضة ، وتركز المرجعية الدينية في
القوة العلوية التي برزت في الميدان.
02) استرداد المغرب قدرته للمبادرة في التضامن مع البلدان الإسلامية ،
وبناء العلاقات الإيجابية معها ، وقد تمثل التضامن المغربي الإسلامي في عدة مظاهر منها
، التفاوض
مع الدول المسيحية في شأن إطلاق سراح الأسارى المسلمين ، وتمويل عمليات الإطلاق
هذه في كثير من الأحيان ، وتزويد المجهود الحربي للدول الإسلامية الواقعة في حالة
حرب مع الأجانب ، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.
03) صاحب تطور النظر العقائدي ظهور الدولة
العلوية ، واكتسى في المشرق صورة الفكرة السلفية ، أي الرجوع إلى عقائد السلف
الصالح ، والملاحظ أن الحركة الفكرية هذه ، قد وجدت سندها المباشر في المولى محمد
بن عبد الله والمولى سليمان ، فلم يكن عملهما مجرد مسايرة لتيار إصلاحي رأياه
صالحا فآزراه ، بل إنهما كانا رائدين كبيرين في هذا المجال. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- لمحات من
دنيا الفكر الديني في عهد العلويين ، دعوة الحق ، عدد 106 ، نقلا بتصرف
عن الموقع : .
. . ....
.
[http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/2486]
28
وقد اهتم السلاطين العلويين بخدمة المصحف الشريف ، عاملين على نشره
والتشجيع على الإقبال عليه ، ومقبلين في ذات الوقت على مدارسته ، ومجالسة علمائه
والأخذ عنهم ، والإعطاء لهم أيضا ، وفي المصادر المغربية كالإتحاف لابن زيدان صور
كثيرة من هذا المعنى ، تشير في عمومها إلى ما كان هناك في حظيرة الدولة العلوية من
عناية بأمر القرآن الكريم ، وبروزها في مظاهر شتى منها إجراء الأوقاف على قراءته ،
وفي تبجيل حملته وإكرامهم .
ونورد على سبيل التذكرة ، بعض النماذج
السريعة التي ساقها صاحب الإتحاف في هذا المجال ، ومن ذلك وصفه لإجراء الشعائر
التي يتلى فيها القرآن كصلاة التراويح مثلا ، وكيف كان يقع الاحتفال بها من طرف
المولى الحسن الأول ، في جو من الحفاوة البالغة ، وكذلك الظهير الذي أصدره المولى
محمد بن عبد الرحمن تكريما وتوقيرا لشيخه في القرآن امحمد بن عبد الواحد الزجلي ، وجاء في ضمن ذلك
الظهير كما ساقه صاحب الإتحاف ، وكان
صدوره لفائدة أحفاد الشيخ " وجعلناهم على كاهل المبرة والأنعام ، والرعي
الجميل المستدام ، وأسقطنا عنهم التكاليف المخزنية ، والوظائف السلطانية ، لما
لجدهم علينا من الحق بتعليم كتاب الله العزيز ... " ، وذلك يبين مدى تقدير
حامل المصحف الشريف ، وهو تقدير يعكس صورة عن الروح السائدة في حظيرة المغرب العلويين.
وكان الاتجاه للقرآن الكريم
عند السلاطين العلويين يتجاوز الرغبة في التبرك ، بل يتجاوزه إلى النطاق العرفاني ،
بكل ما يدعو إليه من اهتمامات علمية ، وليس هناك غنى عنها بالنسبة لنزعة سلفية
واعية ، وكان لهذه الاهتمامات العلمية نتائجها ،
- امتزاج
الإقبال على دراسة القرآن الكريم بالإقبال على دراسة الحديث ، ظهور فكرة الإصلاح
والتطوير على فكرة المتابعة والمسايرة ، بسبب عقم أساليب التناقل العلمي ، وصاحب
فكرة السلفية تطوير الأساليب المنبعة في تدريس العلم الديني ، بما في ذلك أساليب
تدريس القرآن الكريم ، ولا شك أن الفكرة هذه تبدوا الآن مألوفة ، غير أننا إذا
وضعناها في إطارها الزمني المناسب الذي راجت فيه ، لرأينا أنها كانت فكرة ثورية
رائدة ، بالمقارنة مع ما عانته المجتمعات العربية وقتها من عقم أساليب التعلم. (01)
01- لمحات من
دنيا الفكر الديني في عهد العلويين ، دعوة الحق ، عدد 106 ، نقلا بتصرف
عن الموقع : .
. . ....
.
[http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/2486]
29
-
إفادة الخزانة المغربية من هذه الحركة الفكرية المتطورة ، وذلك بما أدت إليه
الحركة من حمل روادها على توضيح مفاهيمهم ، والإتيان بالنماذج والصور التي يجب أن تحتدى
في هذا المجال ، ومن ذلك العدد المهم من الكتب والرسائل الصادرة.
وقد كان المولى محمد بن
عبد الله الرائد الأول في هذا المجال ، ويتمثل في هذا السلطان ما تقدم ذكره ، من
تمازج دراسة الحديث مع القرآن الكريم ، وذلك في نطاق الفكرة السلفية القائمة عليهما
، وقد اشتهر المولى محمد بن عبد الله برواية الحديث وإدراك معانيه ، ويورد الناصري
في ذلك قوله : " ... وكانت له عناية كبيرة بذلك ، وجلب من بلاد المشرق كتبا
نفيسة من كتب الحديث لم تكن بالمغرب ، مثل مسند الإمام أحمد ومسند الإمام أبي
حنيفة وغيرهما ... " ، إلى أن قال بعد ذلك : " ... ولما ولاه الله أمر
المسلمين بعد وفاة أبيه ، زهد في التاريخ والأدب بعد التضلع فيهما ، وأقبل على سرد
كتب الحديث ، والبحث عن غريبها وجلبها من أماكنها ، ومجالسة العلماء والمذاكرة
معهم فيها ... " ، على أن الذي يبدو من استقراء الأمور أن المولى محمد بن عبد
الله لم يكن شغوفا بالمعرفة الحديثية لمجرد المعرفة ، بل كان مهتما بمجمل قضايا
العلم الديني من قرآن كريم وحديث شريف ، ويدخل كل هذا في دائرة اتجاهه في هذه
الأمور ، ويمكن استبانة لمحات منه في كتابه " مواهب المنان بما يتأكد على
المعلمين تعليمه للصبيان " ، الذي أورد فيه أن الاتجاه الإصلاحي عنده كان
شاملا جامعا.
وقال كذلك : " ... كنت
لقيت حال سفري من مكناس إلى مراكش سنة ثلاث بعد المائتين والألف (1203هـ) ، من
الأسانيد الجم الكثير ، وألقيت كل من اختبرت منهم من لا يتمسك من علم دينه بقطمير
... " ، وقد كان مثل هذا التفكير الإصلاحي بمثابة صدمة قوية ، لحالة التزمت
والتقليد التي سادت حياة العلم ف خلال القرون الأخيرة ، وصارت عامل تخلف ، ويسوق
الناصري حول ذلك قوله : " ... ومن عجيب سيرته رحمه الله ، أنه - أي المولى
محمد بن عبد الله - كان يرى اشتغال طلبة العلم بقراءة المختصرات في فن الفقه وغيره.
(01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- لمحات من
دنيا الفكر الديني في عهد العلويين ، دعوة الحق ، عدد 106 ، نقلا بتصرف
عن الموقع : .
. . ....
.
[http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/2486]
30
وصاحب
بروز هذه النزعة حالة نشاط علمي مهمة ، حيث ازدهرت حلقات التفسير القرآني بالمساجد
، كما بالبلاط المحمدي والسليماني وبكثير من معاهد العلم ، وبروز عدد من كبار
العلماء منهم المولى سليمان ، وجاء في عبارة صاحب الاستقصاء حول ذلك قوله : "
وإذا تكلم - أي المولى سليمان - في علوم القرآن أنهل بما يغمر مورد الظمآن "
، وكان من أعلام العصر السليماني أيضا في التفسير الشيخ محمد بن عمرو بن عبد الله
الزروالي ، ويعد من شيوخ المولى سليمان في علم التفسير بالذات ، ومن علماء التفسير
القرآني في عهد المولى عبد الرحمن ، نجد الشيخ حمدون بن الحاج ، ومن المقرئين نجد
محمد الشريف السجلماسي شيخ الجماعة بمراكش في القراءات ، ومن أعلام ذلك العصر أيضا
في التجويد الشيخ محمد بن الطيب السجلماسي ". (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- لمحات من
دنيا الفكر الديني في عهد العلويين ، دعوة الحق ، عدد 106 ، نقلا بتصرف
عن الموقع : .
. . ....
.
[http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/2486]
31
07- العلاقات الثقافية بين المغرب الأقصى والجزائر
:
تعود
العلاقات الثقافية بين الجزائر والمغرب لأمد بعيد ، إذ كان العلماء المغاربة والأندلسيون
يشكلون مدرسة واحدة ، أما في العصر الحديث فتمثلت العلاقات الثقافية بين الجزائر
والمغرب الأقصى ، في قيام مثقفي البلدين بتبادل الزيارات العلمية ، فهناك من سافر
من أجل التحصيل العلمي واخذ الاجازات من المشايخ ، وهناك من فضل الاستقرار ممن كان
بإمكانه تقلد المناصب ، في مجال التدريس والقضاء والإفتاء والخطابة ، وكان علماء
تلمسان الأوائل الذين ربطتهم صلات بالمغرب الأقصى ومؤسساته العلمية ، بحكم قرب
المسافة بينما ، ولكن في الفترة اللاحقة لم يكن التنقل مقصورا على علماء الغرب
الجزائري ، بل شمل معظم القطر الجزائري ، ومهما كانت دوافع الهجرة ، فان العلماء
الجزائريين قد تقلدوا مثلا عدة مناصب في جامع القرويين بفاس ، ومختلف الحواضر
المغربية مثل مكناس ومراكش وتارودانت ، وهناك من نال مكانة مميزة عند سلاطين
المغرب ، كما حظي الأديب الجزائري سعيد المنداسي المتوفى سنة 1677م بمكانة خاصة
لدى سلطان المغرب مولاي محمد بن الشريف ، الذي منحه خمسة وعشرين رطلا من الذهب ، مقابل
مدحه بأشعاره.
ونال كذلك محمد بن عبد الكريم الجزائري المتوفى
بفاس سنة 1690م مكانة سامية عند السلطان مولاي إسماعيل ، وقد ساهم الجزائريون في
نشر العلم والمعرفة في المجتمع المغربي ، على الرغم من احتدام الصراع بين
العثمانيين في الجزائر والسعديين في المغرب الأقصى ، فقد استمر توافد العلماء
الجزائريين على المغرب الأقصى خلال القرنيين السابع عشر والثامن عشر ، غير أن عددهم
عرف انخفاضا كبيرا بسبب الركود الفكري بالجزائر ، وبسبب تغيير بعضهم لوجهته نحو
المشرق ، ومع ذلك بقيت الجزائر مقصدا للعلماء المغاربة ، حيث أشاد ابن زاكور
المغربي (1663م - 1708م) بعلماء الجزائر لما حل بها سنة 1683م ، وقال عنهم :
" غرر أعلام تنجلي بهم الأظلام ، وشموس أئمة تنفرج بهم الغمة ، وتفتخر بهم أحبار
الأمة " ، وممن أجازوه الشيخ المنجلاتي المتوفى سنة 1693م ، والذي قال عنه :
" أقبسني بكلتا يديه وأجازني رواية ما لديه ، العلم الأشهر والحبر الأكبر ".
(01)
01- أرزقي شويتام ، " العلاقات الثقافية
الجزائرية المغاربية في الفترة العثمانية " ، مجلة الدراسات التاريخية ،
العدد 13 ، قسم التاريخ/جامعة الجزائر ، 2011 ، ص 79-91.
32
ومن علماء
المغرب الأقصى الذين كانت لهم اتصالات بالقطر الجزائري في القرن السابع عشر ، نذكر
أبو سالم عبد الله بن محمد العياشي (1628 - 1679م) الذي سافر من سجلماسة للحجاز
سنة 1662م ، سالكا في رحلته الطريق الصحراوي ، وقدم وصفا عن الحياة الاجتماعية
والسياسية والثقافية والاقتصادية للمدن الصحراوية التي توقف بها ، وقد دون كل هذا
في رحلته المسماة " ماء الموائد " ، وفي نفس الفترة تقريبا نجد محمد بن
سليمان الروداني المتوفى سنة 1682م ، قد درس بالجزائر على مفتيها الأكبر سعيد
قدورة بن إبراهيم الجزائري إمام الجـــــامع الأعظم ، وقد ورد في إجــــازة هذا الأخيـــــر
لابن زاكور : " وأجزته إجازة مطلقة عامة ، على شروطها المتعارفة عند العلماء
القائلين بها ، في جميع المقروءات معقولا ومنقولا ". (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أرزقي شويتام ، نفس المرجع ، نفس
الصفحات.
33
08- الإصلاحات الفكرية والثقافية بالمغرب الأقصى :
لم تكن الأفكار الإصلاحية في المغرب وليدة
القرن التاسع عشر ، أي نتيجة بداية التغلغل الأوربي في العالم الإسلامي ، ذلك أن
بوادر الإصلاح برزت في نهاية القرن السابع عشر الميلادي ، على يد المصلح المغربي
أبي علي اليوسي (الحسن بن مسعود 1102هـ/1690م) ، الذي كان أول داعية للاهتمام
بقضايا المغرب في أبعادها الدينية والاجتماعية ، والدعوة إلى تقوية الكيان المغربي
اجتماعيا وثقافيا بمعالجة الانحرافات ، وسياسيا بتنظيم الجيش.
وفي النصف الثاني من القرن الثامن عشر ، وظف
السلطان محمد الثالث (محمد بن عبد الله 1171 - 1204 هـ/1757 - 1790م) الحركة
الإصلاحية لمواجهة التهديدات الخارجية ، ورد الاعتبار إلى الأصول في العقيدة ،
ورفض الخلافات الفرعية ، وأنشأ محمد الثالث حركة واسعة في مجال الحديث النبوي
الشريف ، وإلى جانب إصلاحاته التي مست جميع مرافق الحياة المغربية ، عني بجانب
العقيدة والفقه ، ونشر المعرفة بين الناشئة ، فكان أكبر مصلح عرفه النصف الثاني من
القرن الثامن عشر ، تناولت إصلاحاته الجوانب الدينية والتعليمية والاجتماعية والسياسية
والحضارية. (01)
01- عباس أرحيلة ، " حركة
الإصلاح في المغرب الحديث " ، الدراسة والإعلام ،
عدد 279 ، مارس 1995 ، ص39 -49 ، نقلا بتصرف عن الموقع :
34
- الخاتمة :
وأخيرا ما يمكن الخروج
به كاستنتاجات من خلال هذا البحث ، يمكن حصرها في النقاط التالية :
- الحياة الثقافية لا
تختلف في مظاهرها في العصر السعدي عن العلوي ، ولكن التقاليد الثقافية ترسخت أكثر
خلال العصر العلوي بسبب الاستقرار السياسي ورعاية السلاطين.
- الفترة السابقة
لقيام الحكم العلوي للمغرب الأقصى سنة 1664م ، تعد فترة مليئة بالاضطرابات
السياسية ، أوشكت أن تأتي على وحدة البلاد الترابية ، وقتل خلالها وهاجر العشرات
من العلماء ، وكادت الحياة الثقافية أن تتوقف تماما ، لولا نشاط الزاويتين
الدلائية والناصرية.
- الأنشطة الثقافية في
العصر العلوي هي نفسها في سابقه السعدي ، ولكنها تعاظمت أكثر وازداد شأنها ، وكثر
منشطيها من العلماء والأدباء والصوفية والوراقين وسفراء المخزن.
- النشاط الأدبي أكثر
المظاهر الثقافية ازدهارا في العصر العلوي ، من حيث كثرة التصانيف وشهرة أصحابها
وجودة إنتاجهم النثري والشعري.
- تميز العصر العلوي بنبوغ
رجالاته في الأدب والدين والسياسة ، وخاصة في الرحلات السفارية وحتى الحجازية.
-
ارتقاء حرفة الوراقة وازدهار مهنة النساخين ، بسبب ديناميكية حركة التأليف في شتى
الأغراض.
- تميز العصر العلوي من حيث الفكر الديني ،
بالتأثر بمنهج السلفية القادم من المشرق ، مع بقاء التقاليد المذهبية المالكية
راسخة في المؤسسات الدينية الرسمية.
- استمرار العلاقات الثقافية بين المغرب والجزائر ،
كمثال عن استمرارها مع باقي أقطار المغرب والمشرق ، برغم بعض الخصومات السياسية
بين الحين والآخر.
- توجه السلاطين العلويين بعد 1750م ، نحو تطبيق جملة من
الإصلاحات الفكرية والثقافية.
35
- قائمة المصادر والمراجع :
أ- المصادر :
01- الزياني أبو القاسم ، الترجمانة الكبرى في أخبار
المعمورة برا وبحرا ، تحقيق : عبد الكريم الفيلالي ، مطبوعات فضالة ، فاس ،
1967م.
02- الغساني الأندلسي محمد ، رحلة الوزير في افتكاك
الأسير 1690 - 1691م ، ط 01 ، تحرير وتقديم : نوري الجراح ، دار
السويدي/أبو ظبي - المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت ، 2002.
ب- المراجع :
- الكتب :
01- كنون عبد الله ، ذكريات مشاهير
رجال المغرب في العلم والأدب والسياسة ، تقديم واعتناء وترتيب : محمد بن عزوز
، ط 01 ، ج 01 (في العلم) ، مركز التراث الثقافي العربي (الدار البيضاء) - دار ابن
حزم (بيروت) ، 2010.
02- المنوني محمد ، تاريخ الوراقة المغربية
، ط 01 ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الرباط ، 1991.
- المقالات :
01- العثمان إيمان عبد الرحمن
، " الفشتاليين في المغرب الأقصى ودورهم في الحياة العامة
" ، مجلة كلية العلوم الإسلامية ، المجلد
السابع ، العدد
13 ، جامعة
الموصل (العراق) ، 1434هـ/2013م.
02- بوكبوط محمد ، الرحلة السفارية المغربية خلال القرن الثامن عشر ، ندوة الجزائر الأولى 2004 ، نقلا بتصرف عن
الموقع : .
. [http://alrihlah.com/nadawat/research/479]
03- شويتام أرزقي
، " العلاقات الثقافية الجزائرية المغاربية في الفترة العثمانية
" ، مجلة الدراسات التاريخية ، العدد 13 ، قسم التاريخ/جامعة الجزائر ، 2011.
04- عباس
أرحيلة ، " حركة الإصلاح في المغرب الحديث " ، الدراسة والإعلام ،
عدد 279 ، مارس 1995 ، ص39 -49 ، نقلا بتصرف عن الموقع :
05- تأملات حول الفترة التي سبقت تأسيس الدولة العلوية ،
06- الثقافة والعلم في العصور الحديثة بالمغرب ،
07- لمحات من دنيا الفكر الديني في عهد العلويين ، دعوة الحق
، عدد 106 ، نقلا بتصرف عن الموقع : .
. [http://www.habous.net/daouat-alhaq/item/2486]
09- ]Microsoft Encarta,
Maroc, Microsoft Corporation, 2009[
- الملاحق :
01- قائمة السلاطين العلويين للمغرب الأقصى حتى سنة 1970م :
01/01- العهد الأول في تافيلالت :
01-
مولاي علي الشريف ، حكم بين 1631 - 1635م.
02-
محمد بن علي الشريف حكم بين 1635 - 1664م.
03-
الرشيد بن علي الشريف عاش بين 1631 - 1672 م ، وحكم بين 1664 - 1666م.
01/02- العهد الثاني بعد التوحيد في فاس :
01-
الرشيد بن علي الشريف عاش بين1631 - 1672م ، وحكم بين1666 - 1672م.
02-
إسماعيل بن علي الشريف عاش بين1646
- 1727م ، وحكم بين1672 - 1727م.
03-
أحمد الذهبي بن إسماعيل عاش بين1677 - 1729م ، وحكم بين1727 - 1728م.
04-
عبد الملك بن إسماعيل ، حكم سنة 1728م.
05-
أحمد الذهبي بن إسماعيل عاش بين1677
- 1729م ، وحكم بين 1728 - 1729م.
06-
عبد الله بن إسماعيل عاش بين 1757 - 1694م ، وحكم بين1729 - 1735م.
07-
علي الأعرج بن إسماعيل ، حكم بين 1735 - 1736م.
09- عبد الله بن إسماعيل عاش بين1694 - 1757م ، وحكم سنة 1736م.
10-
مولاي محمد بن إسماعيل ، حكم بين 1736 - 1738م. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- قائمة السلاطين العلويين للمغرب الأقصى حتى
سنة 1790م ، نقلا عن الموقع :
11- المستضيء بن إسماعيل عاش إلى1759 م ، وحكم بين 1738 - 1740م.
12-
عبد الله بن إسماعيل عاش بين1694 - 1757م ، وحكم بين 1740 - 1745م.
13-
علي زين العابدين بن إسماعيل ، حكم سنة 1745م.
14-
عبد الله بن إسماعيل عاش بين1694 - 1757م ، وحكم بين1745 - 1757م.
15-
محمد الثالث بن عبد الله عاش إلى 1790م ، وحكم بين1757 - 1790م. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- قائمة السلاطين العلويين للمغرب الأقصى حتى
سنة 1790م ، نقلا عن الموقع :
02- خارطة المغرب الأقصى ضمن بلاد المغرب.
- خارطة المغرب الأقصى ضمن المغرب الكبير ، مستنسخة عن :
]Microsoft Encarta, Maroc,
Microsoft Corporation, 2009.[
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire