- المقدمة :
تميز نظام
الحكم في الدولة العثمانية بالاستناد على الشريعة الإسلامية ، وتضمن كذلك بعضا من التنظيمات
المأخوذة عن السلاجقة والبيزنطيين ، إضافة للعادات والتقاليد التركية القديمة ، ورغم
تبعية ما اصطلح عليه بالمشيخة الإسلامية للسلطان العثماني ، إلا أنه لم يكن في وسعه
تجاهل حدود الشريعة الإسلامية ، وكان مرتبطا بفتاوى كبير هذه المؤسسة الجديدة
القديمة في العالم الإسلامي ، وقد عرف هذا الأخير بشيخ الإسلام.
وظهر
منصب شيخ الاسلام لأول مرة كمؤسسة دينية أولى في الدولة العثمانية ، في عهد
السلطان محمد الثاني ، وكان شيخ الإسلام الشخصية الثالثة أهمية في الدولة ، وكلمته نافذة أكثر في
القضايا الدينية ، وعموما فحتى مجمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية
والثقافية للدولة احتاجت لفتاويه ، وكان يستشار أيضا في شؤون الحرب والسلم ، وفي إجراء الإصلاحات والتغييرات الحكومية ،
وكانت الدولة العثمانية تستغل شيوخ الإسلام في المركز وفي الأطراف مثلما في
الجزائر ، في إبطال الشرعية عن الثورات الشعبية داخل حدود الدولة ، وكان هنالك
مشايخ للإسلام في الولايات العثمانية يؤدون دورا مشابها ، لما يؤديه شيخ الإسلام
الكبير في المركز ، وهذا ما يدفعنا لطرح التساؤلات التالية :
- ما المقصود بالضبط من ناحية مفاهيمية ، من
مصطلحي شيخ الإسلام ومشيخة الإسلام ؟
- كيف كان تنظيم هاته المؤسسة الدينية الرئيسية
في الدولة العثمانية ؟
- هل كان مشايخ الإسلام في الولايات وخاصة
الجزائر ، يمارسون نفس الدور كما شيخ الإسلام الكبير بالمركز ؟
- ما علاقة منصب مفتي السلطنة أو الولاية بشيخ
الإسلام ؟
- من هم أشهر مشايخ الإسلام في اسطنبول
والجزائر ؟
- ما هي أهم ملامح حياتهم وأعمالهم ؟
- الجانب المفاهيمي حول مشيخة وشيخ
الإسلام :
01/01- مفهوم
شيخ الإسلام :
شيخ الاسلام هو لقب يطلق على كل علامة متبحر في العلوم الشرعية الاسلامية ،
وله دراية وريادة بين علماء الاسلام ، وعلى العالم الكبير الثقة المتبحر في العلوم
الشرعية الاسلامية ، وتختلف إطلاقات هذا اللقب بحسب أتباع العالم ، وقد شاع هذا
اللقب في حقب زمنية من تاريخ الاجتهاد والفقه الاسلامي ، وهو لقب يعتبر درجة أدبية
معنوية ، سببها أعمال عالم وفقيه ونشاطه العلمي الواسع ، غالبا ما يلتصق باسم
علماء و فقهاء بعينهم.
وقد
أطلق هذا اللقب على العديد من العلماء ، منهم العز بن عبد السلام وهو شافعي المذهب
، وابن تيمية وهو حنبلي المذهب ، وابن حجر المحدث ، وإذا أطلق شيخ الإسلام عند
الشافعية فالمقصود شيخ الإسلام زكريا الأنصاري ، ولبعض العلماء في كتبهم أعراف
خاصة ، فإذا أطلق الحافظ ابن حجر العسقلاني ذلك فالمقصود سراج الدين البلقيني ،
وإذا أطلق الحافظ جلال الدين السيوطي فالمقصود ابن حجر العسقلاني.
وأول ما ظهر مركز شيخ الاسلام ، كان في الدولة العثمانية وأخذ شكل مؤسسة
لها كيانها وأهميتها، وقد أجمع المؤرخون على ظهور هذا المركز في عهد السلطان محمد
الثاني ، وآخر من تولى مشيخة الإسلام بالدولة العثمانية ، كان الشيخ المجاهد
العالم مصطفى صبري التوقادي ، ونفي من دولة الخلافة قبيل اسقاطها هو ووكيله
العلامة محمد زاهد الكوثري.
هذا
مع أن شيخ الإسلام كان الشخصية الثالثة في الدولة من حيث الأهمية ، وكان له
عبر مركزه تأثير كبير فيها ، ولقد كانت الكلمة الأخيرة في القضايا الحقوقية
والدينية تعود له ، وكانت القضايا الحياتية والدنيوية للدولة تحتاج
إلى فتاواه ، في إعلان الحرب وفي تحقيق الإصلاحات والتغييرات الحكومية.
ولقد كان من حق شيخ الإسلام عبر فتواه ، أن يقرر ما إذا كانت انتفاضة ما قامت بوجه
الدولة شرعية أم باطلة ، وما إذا كانت المطالبة بالعرش صحيحة أم لا ، كما كان على
رأس المؤسسة الدينية ، في حين كان الصدر الأعظم على رأس المؤسسات الدنيوية. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- نقلا بتصرف من الموقع : [/شيخ الإسلام/ Wikipedia.com]
وفي بدايته كان قاضي العسكر أهم موظف ديني في الدولة ، وهي وظيفة أنشأها
المماليك للفصل بين الجند أثناء تنقلاتهم ، ولما انتقلت أمور المسلمين للعثمانيين
أبقوا على هذه الوظيفة ، بعد أن اعتبروا شاغلها بمثابة قاضي القضاة ، وفي فترة
لاحقة أصبح لقب قاضي العسكر شيخ الإسلام ، وبقي الأمر كذلك حتى نهاية الدولة العثمانية.
(01)
01/02- مشيخة
الإسلام وتنظيمها في الدولة العثمانية :
اتسم نظام
الحكم في الدولة العثمانية بطابع خاص ، من حيث الإدارة والحكم ، وكان الطابع
الأساسي الذي قامت عليه الدولة هو الشريعة الإسلامية ، وتضمن كذلك التنظيمات
المقتبسة من الدول السابقة مثل السلجوقية والبيزنطية ، إضافة للعادات والتقاليد
التركية القديمة ، خاصة عادات قبائل الغز التركية ، وكان السلطان العثماني رئيسا
للدولة ، والتقت في شخصه أكبر هيئتين فيها على الإطلاق ، بصفته حامي البلاد ومنفذ
الشريعة الاسلامية ، وهاتان الهيئتان هما الصدارة العظمى والمشيخة الإسلامية ، ولم
يكن السلطان في الواقع حاكما مطلقا ، إذ لم يكن في استطاعته تجاهل حدود الشريعة
الإسلامية بصورة علنية ، وكان عليه أن يحصل على فتوى من شيخ الإسلام ، قبل اتخاذ
أي إجراء سياسي أو ديني أو اجتماعي ، وعلى سبيل المثال لم يستفد من المطبعة إلا
بعد اكتشافها في أوربا بمائتين وخمسين سنة ، لكونها كانت تمس مسألة طبع الكتب
الدينية. (02)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- نقلا بتصرف عن موقع دار الإفتاء
اللبنانية :
]http://www.yabeyrouth.com/pages/index1236.htm[
02- موسوعة مقاتل ، شيخ الإسلام ، ص
01-02 ، نقلا بتصرف عن الموقع الإلكتروني :
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/HokmOsmani/sec02.doc_cvt.htm
ويمكن تقسيم
نظام الحكم الإداري العثماني لثلاث هيئات هي :
العلمية والقلمية (الإدارة) والسيفية (الجيش) ، وما
يهمنا هو العلمية ويقصد بها المشيخة الإسلامية وفئة العلماء والقضاة ، وكان تقوم
على أمر التعليم والمدارس والمحاكم والأوقاف ، ورئيس هذه الهيئة ومرجعها الأكبر هو
شيخ الإسلام ، وهو إن لم يتفوق على الصدر الأعظم في المنصب ، لكنه لم يقل
عنه في المكانة. (01)
وكان تعيين
شيوخ الإسلام في الدولة يتم بسهولة حتى عهد الشيخ أبو السعود أفندي ، وبعده صار مفروضا
عليهم الحصول على منصب قضاء عسكر الروملي ، ثم يعينون بعد ذلك من لدن السلطان نفسه
، وللصدر الأعظم تأثير في هذه القضية ، وكانت ترتبط بشيخ الإسلام مجموعة من
الدوائر العلمية ، وهي : القضاء والمدارس ونقابة الاشراف وعلماء القصر ، وموظفي
الشؤون الدينية.
وكانت مؤسسة
القضاء تنقسم لثلاث مناطق هي : قضاء عسكر
الروملي ، وقضاء عسكر العرب ، وقضاء عسكر العجم ، وقضاء عسكر مصر ، وكان التعليم
والمدارس لعهد السلطان محمود الثاني تابعين لمشيخة الإسلام ، ثم فصلا عنها نهائيا
في عهده (1809/1839م - 1224/1255هـ) سوى المرحلة الابتدائية التي ظلت تحت إشرافها
، وكانت على نهج نظام الملك السلجوقي ، أما نقابة الأشراف فهي سابقة على
العثمانيين ، ونشأت عندهم سنة 803هـ واستمرت حتى زوال الدولة العثمانية سنة
1342هـ/1924م ، وكان نقباء الأشراف يعينون من لدن المشيخة الإسلامية من فئة العلماء
، وبالنسبة لعلماء القصر فهم من المختارين لتربية وتدريس أمراء آل عثمان منذ صغرهم
، وعن موظفي الشؤون الدينية فهم من الوعاظ والخطباء العاملين في الدعوة والإرشاد
بالدولة ، وكانوا تحت إشراف مباشر من شيخ الإسلام ، ويضاف لمشيخة الإسلام رعاية
الأوقاف والمساجد. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- موسوعة مقاتل ، شيخ الإسلام ، ص 01-02.
01/03- سياسة الدولة العثمانية في منصب شيخ الإسلام :
وضع العثمانيون حجر الأساس لأول مؤسسة
دينية حكومية ، تخضع لإشراف الحكم في تاريخ المسلمين ، وقبلهم كان الحكام يتعاملون
مع الفقهاء وفق الحاجة والمصلحة ، فتارة يقربون الشافعية ، وتارة ينقمون عليهم ،
وتارة يقربون المالكية ، وتارة ينقمون عليهم ، وكان من الممكن للحاكم أن يتعامل مع
فقهاء المذاهب الأربعة في وقت واحد ، كما كان الفقهاء والقضاة يدينون بالطاعة
والولاء للحاكم ، ولكهنم لم يكونوا ينطقون جميعهم بلسانه ، ويعتمدون في أرزاقهم
عليه.
ولكن العثمانيين بإعلانهم مؤسسة شيخ
الإسلام ، قد حكروا الدين في دائرة هذه المؤسسة ، التي منحت الشرعية وفق مذهب
الأحناف الذي تبنته الدولة العثمانية ، بينما أخرجت المذاهب والاتجاهات الأخرى من
دائرة الحماية الحكومية ، لتتحول إلى أنشطة فقيهة أهلية لا تملك القدرة على
التأثير في الجماهير ، بل أصبحت محل رصد السلطة وتحيط بها الشبهات ، وتحول الفقهاء
إلى موظفين في الدولة ينتظرون تعليماتها وينطقون بلسانها ويفتون لصالحها ، ومن باب
حماية هذه المراكز الوظيفية والامتيازات التي ترتبط بها ، اتخذ فقهاء الدولة موقف
العداء الصريح من الفقهاء والأنشطة والتيارات ، التي لا تخضع لهم وتنازعهم دورهم
وتهدد نفوذهم وتوقع بينهم وبين الحاكم.
وبداية من هذه الفترة ظهرت طبقتان
من الفقهاء واحدة حكومية والثانية شعبية
، وبين الطبقتين صراع قائم ومستمر ، كثيرا ما يسهم الحاكم في زيادة حدته من باب سياسة
فرق تسد وشغل الجميع ببعضهم ، ولقد استقبل الفقهاء العثمانيين كفاتحين مسلمين
جاءوا لتحريرهم من استعمار المماليك ، واعترفوا بهم كخلفاء شرعيين. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- صالح وردياني ، " مدافع الفقهاء : الفقهاء والعثمانيين " ،
المستبصر ، ص 37 - 40 ، نقلا من الموقع : [http://www.shiaweb.org/books/madafea_alfoqafaa/pa2_7.html]
وقد أحدث السلطان مراد الأول منصب قاضي
العسكر ، الذي كان صاحب سلطة مطلقة تجاوزت الحدود العسكرية إلى السيطرة على القضاة
والفقهاء والموظفين ، وخضت الهيئات الدينية والقضائية بعد عهد سليم الأول لمفتي
استنبول ، أو ما أطلق عليه مفتي التخت السلطاني أو شيخ الإسلام ، وعمل السلطان
محمد الثاني وسليمان الأول على ودعم مركز شيخ الإسلام ، وتقوية شوكته ورفعه إلى
أعلى المناصب الإدراية في الدولة. (01)
01/04- طريقة مشيخة الإسلام في انتخاب المفتي أيام العثمانيين :
اختلفت طريقة انتخاب المفتي في العهد العثماني
عما هي عليه اليوم ، ففي أيام العثمانيين كانت عملية الانتخاب قاصرة على العلماء
المتعممين ، الذين شكلوا رجال السلك الديني في البلد ، وهم في العادة من القضاة
الشرعيين والمكلفين بالمهمات المسجدية كالتدريس والإمامة والخطابة ، ويضاف إليهم
الأعضاء المسلمون السنيون في المجلسين البلدي والولائي.
وكان
هؤلاء الناخبون يختارون ثلاثة مرشحين ويقدمون أسماءهم لوالي الولاية ، الذي بدوره
يحيل أسمائهم لمشيخة الإسلام في إسطنبول ، والتي لها حق إستنساب أحدهم واستصدار ما
كان يسمي (فرمان عالي شان) أي مرسوم من السلطان ، بتعيين الشخص الذي يستنسبه شيخ
الإسلام ، ذلك أن تعيين المفتيين في حواضر الولايات العثمانية كان يقتضي صدور
الأمر من السلطان نفسه بوصفه أمير المؤمنين. (02)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- صالح وردياني ، نفس المرجع.
02- نقلا بتصرف عن موقع دار الإفتاء
اللبنانية :
]http://www.yabeyrouth.com/pages/index1236.htm[
02- نماذج عن شيوخ الإسلام
العثمانيين :
02/01- مصطفى صبري التوقادي :
أ- نبذة عن حياته :
ولد الشيخ مصطفى صبري* سنة 1869م بمدينة " توقاد "
في الأناضول ، وتتلمذ في البداية على يد والده أحمد التوقادي ، وأتم دراسته
الأولية في مسقط رأسه وبمدينة قيسري ، وانتقل بعدها للأستانة ونال إجازتين ، وصار وهو
ابن الثانية والعشرين أستاذا محاضرا بجامع السلطان محمد الفاتح ، بعد الامتحان
بدرجة مدرس سنة 1890م ، واختير في 16 جانفي 1900م عضوا بديوان القلم ، ثم اختارته
هيئة كبار العلماء رئيسا لصحيفتها " بيان الحق " ، ليعين بعدها عضوا في الهيئة
، وتولى بعدها تدريس الحديث الشريف في مدرسة السليمانية ، واختير نائبا عن مدينة
توقاد في المشروطية الثانية بتاريخ 01 جانفي 1908م ، ثم تولى في عهد وزارة الداماد
فريد باشا الأول المشيخة الإسلامية سنة 1919م ، وظل محتفظا بمنصبه في الوزارتين
المتعاقبتين ، وذلك على أربع مرات في فترات متقطعة بين سنتي 1919 و1920م ،
وبلغت مدة شغله هذا المنصب بمجموع فتراتها ثمانية أشهر وواحدا وعشرين يوما ، كما
ضبطها الدكتور مفرح القوسي ، ولما ضاق به
حال البلاد اضطر للهجرة لمصر سنة 1923م ، ومنها إلى لبنان ، وبقي متنقلا ، فزار
مكة ثم عاد لمصر في نفس السنة ، وهذا بعد إقامة قصيرة بتركيا**. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* للتوسع في ترجمة الشيخ مصطفى صبري ،
فلينظر لكتاب " الأعلام " للزركلي ، أو لكتاب مفرح بن سليمان القوسي عنه
، من مطبوعات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
** عاد لتركيا أسيرا بيد الاتحاديين الذين
قبضوا عليه في بوخارست وسجنوه فيها ، ثم نقلوه لتركيا وفرضوا عليه الإقامة الجبرية
بإحدى مدن الأناضول ، ثم لما ألغي قرار الإقامة عاد إلى إسطنبول.
01- عمار جيدل ، رائد الفكر الإسلامي الحديث : شيخ الإسلام مصطفى صبري ، جامعة الجزائر المركزية ، نقلا بتصرف من الموقع :
ب- آثاره العلمية ووقفة مع كتاب " موقف العقل " :
تتوزع آثاره العلمية على العديد من أنواع
التأليف ، ففيها الكتاب الجامع وفيها الكتاب البسيط ، ومنها أيضا المقالات
المتخصصة ، وقد ألف بالعربية والعثمانية ، وأهم كتبه :
- النكير
على منكري النعمة من الخلافة والأمة*.
- قولي في
المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب.
- القول
الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب.
- موقف
العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين.
تضمن كتاب " موقف العقل " زبدة
أفكاره وآرائه السياسية والعلمية ، وهو كتاب غني بالمطارحات الفكرية والمناقشات
الفلسفية والكلامية والسياسية ، والكتاب من عنوانه يدل على أن غرضه الأصلي الدفاع
عن عقيدة الإسلام ، وقد كشف المؤامرات التي تعرض لها الإسلام من خلال هجمات
الغربيين ، والتحدي الفكري العقدي الذي قادته قوى الإلحاد.
كما بين في كتابه قيمة الدليل العقلي مقارنة
مع الأدلة التي استند إليها المثقفون الغربيون أو المتغربون ، فبرهن بأنه أيقن من
الدليل التجريبي ، وناقش أدلة فلاسفة الغربيين على وجود الله ، كما رد شبه النافين
من الملاحدة ، وهذا الجهد يدل على إحاطته بالفكر والفلسفة الغربيين عامة ، بخلاف
ما ذهب إليه بعض الباحثين ، ونجده مثلا يرفع سوء الفهم عن بعض عبارات
ديكارت ، ويخوض جدالا حادا مع فلسفة كانط أو ديمقريطس وإلحادية بوخنر. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كان الشيخ بحكم منصبه وموقعه من السلطان
العثماني ، شاهدا حيا على انقلاب مصطفى كمال أتاتورك وإلغاءه لنظام الخلافة ، وقد
وثق كثيرا من شهادته في كتابيه " النكير على منكري النعمة " و " موقف
العقل ".
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.
ولقد نشر للشيخ مصطفى صبري مقالات باللغة
التركية والعربية في الجرائد اليومية ، كما نشر له مقالات في المجلات العلمية في
تلك الفترة ، وتعد هذه المقالات على تنوعها دفاعا عن الإسلام وإبرازا لقوته
العلمية ، وقد حاول إرجاع هيبة الإسلام المفقودة ، وذلك ببعث قوته العلمية
والفكرية في ساحة كثر فيها العلماء المعجبون بالغرب وحضارته وفلسفته ، حتى عد من المنافحين القلائل عن
دينه وحضارة في زمنه.
وأعمل مسلك الإنكار في كتابه
" مسألة ترجمة القرآن " ، حيث عرضها كمسألة يراد توجيه الأنظار فيها إلى
رأي مرجوح ، فرام من خلال المطارحة الهادئة لبيان القول الفصل فيها ، ونسج على المنوال
نفسه في كتابه " القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب " ، محاولا الفصل
في مسألة كثر فيها الكلام ، والمرافعة عن الغيب الذي يراد إبعاده خدمة للثقافة
الغربية وانسجاما معها ، وبنفس المنهج كتب كتابه " قولي في المرأة ومقارنته
بأقوال مقلدة للغرب " ، إذ يدل بقية العنوان على الغرض الأصلي من الكتاب ،
الذي يرمي لإبطال أقوال الغربيين ومقلديهم في مسألة المرأة في الإسلام.
أما موسوعته " موقف العقل والعلم
والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين " فهو دفاع عن موقف العقل والعلم من
رب العالمين وعباده المرسلين ، وتتأكد نـزعة الاستقلال الفكري فيما قرأناه في تلك
المؤلفات ، وبالنسبة للعلماء المعاصرين فقد ناقش أقوال أكثرهم شهرة كالشيخ جمال
الدين الأفغاني ومحمد عبده وشلتوت ، بالدرجة نفسها التي ناقش بها فلاسفة الغرب
كباركلي وهيوم وكانط ، وقد سبب له هذا النقد كثيرا من الحرج والمتاعب ، فقيل له : "
كيف تنقد هؤلاء الأعلام ؟ " فقال : " إن كتابي كتاب مبادئ لا تراجم ".
(01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.
وفي ضوء ما سلف انحصرت مهمة الشيخ فيما
يأتي :
- الدفاع عن
مركز علم الكلام وإثبات صدقه وصحة استثمار معارفه.
- محاربة
اللادينيين وما يرمون لتكريسه من شكوك بطريق الإلحاد.
- الدعوة
إلى إصلاح الأوضاع العلمية في العالم الإسلامي ، بصفته الطريق الوحيد للنجاح
السياسي والاجتماعي في الحاضر والمستقبل.
- العمل على
بيان الخلل الطارئ على العقلية الإسلامية ، وخاصة في تسليم زمام أمورها إلى الفكر
الغربي ممثلا في الفلسفة الغربية ولاسيما الوضعية.
- ناضل
حاملي الفكر الغربي في البيئة الإسلامية ، وحاول قطع الطريق على أولئك الذين
حاولوا التعامل مع الثقافة الإسلامية من منطلق الفكر الوافد ، وكأن الثقافة
الإسلامية عارية عن كل أصالة وقوة إقناع.
- دافع
الشيخ عن معجزات الأنبياء بوصف إنكارها طريقا معبّدا لإنكار كل ما له صلة بعالم
الغيب الذي منه عقائد المسلمين.
- دافع عن
موقع الفقه في الشريعة الإسلامية.
- دافع عن
الحديث النبوي ضد الذين اختصروا الحديث الصحيح بنسبة الواحد من مائة وخمسين حديثا ،
بناء على تفسير خاطئ لقول البخاري ، بأنه لم يصح عنده إلا أربعة آلاف حديث من
ستمائة ألف حديث.
- دافع من
منطلق معرفي عن وضع المرأة في الإسلام.
- أرجع
الخلل في الإعجاب بالغرب في السياسة إلى الخلل في التكوين الثقافي. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.
جـ- أقوال العلماء عنه :
قال هو عن نفسه : " الاجتهاد في
العلوم العقلية يلتئم مع فطرتي ومزاجي ، والتي لا يبتعد عنها علم أصول الدين "
، وقال عنه محب الدين الخطيب : " هو فحل الفحول الصائل الذي يعد فضله أكبر من
فضل معاصريه " ، وقال عنه الشيخ زاهد الكوثري : " هو قرة أعين المجاهدين
" ، وقد مدحه تلميذه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قائلا : " إن كتابه موقف
العقل هو كتاب القرن بلا منازع " ، وقال الشيخ الشهيد البوطي عن كتابه آنف
الذكر : " هو كتاب لا مثيل له ".
د- جوانبه الأخلاقية :
عانى رحمه الله طوال حياته من الفقر الذي كان
به فخره ، فقد عاش فقيرا ومات على تلك الحال ، وأكبر شاهد اضطراره لبيع كتبه لتحصيل
ثمن تذاكر سفر من الدرجة الثالثة بالباخرة له ولسائر أفراد أسرته ، وذلك من الأستانة
إلى الإسكندرية ، برغم توليه لمنصب شيخ الإسلام لسنوات عديدة ، وكانت شجاعته مضرب
الأمثال بين علماء عصره ، فقد حارب الاتحاديين وعلماء الدين المتغربين* ، ولحقه من
جراء ذلك أذى كبير من قبل المثقفين والساسة ، وقد عمل طوال حياته على تغيير الوضع
نحو الأفضل ، وتوفي الشيخ مصطفى صبري رحمه الله بمصر في 02 مارس 1954م.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أتهم بخيانة الوطن وعداوة الدين ،
ووصف بشيخ الأبالسة والشياطين ، وطولب برحيله من مصر على الفور ، على يد جمهور من
المصريين المعجبين بأتاتورك ، ولكن بعد تبدل الأحوال لقي تقديرا واحتراما شعبيا ورسميا
، بعد أن ظهرت للناس جناية أتاتورك على الدين والأمة والخلافة.
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.
02/02- أبو السعود أفندي :
تعاقب على
مشيخة الإسلام ومفتي اسطنبول في بدايات الدولة العثمانية ستة عشر شيخا ، كان آخرهم
وأطولهم خدمة أبو السعود أفندي ، الذي شغل المنصب لمدة ثلاثين سنة حتى وفاته ، وهي
فترة لم يسبقه لها أحد ولم يخلفه بمثلها أحد ، واكتسب أهمية كبرى لارتباطه
بالسلطان سليمان القانوني وتشريعاته.
هو محمد بن
محي الدين بن محمد مصطفى العماد الشهير بأبي السعود أفندي ، وهنالك روايات عدة عن
تاريخ مولده والراجح أنه ولد سنة 898هـ/1493م ، وهو التاريخ الذي أورده المؤرخ
طاشكبري زادة ، وولد في قرية أسكليب بالقرب من اسطنبول ، بينما ترى دائرة المعارف
الإسلامية أنه كردي من آمد ، ونشأ في بيت صلاح وعلم حيث كان والده عالما ، وتلقى
تعليمه الأول على يديه ، كما أخذ العلم عن جملة من المشايخ كمؤيد زادة وقادري جلبي
والمولى سيد قرماني ، وتعلم العربية في صغره على يد والده الذي اصطحبه عند السلطان
بايزيد الثاني ، وأصبح ملازما لسيدي جلبي ، ومات أبوه سنة 920هـ/1514م فعرضت عليه
رئاسة زاويته ، ولكنه رفض واستمر يتقاضى منحة السلطان 30 أقجة.
ثم قام
بالتدريس في مدرسة داود باشا سنة 927هـ/1521م ، وبعدها في مدرسة علي باشا في اسطنبول
في السنة الموالية بخمسين أقجة ، ففي مدرسة الوزير مصطفى باشا سنة 931هـ/1525م ،
فمدرسة السلطان محمد في بورسة سنة 936هـ/1529م ، ثم نقل إلى إحدى مدارس الصحن
الثمان بعد ثلاث سنوات ، وبقي فيها خمس سنوات حتى تم قبوله في قضاء بورسة ، ثم في
قضاء القسطنطينية سنة 940هـ/1533م ، ففي قضاء العسكر بالروملي سنة 944هـ لمدة
ثماني سنوات. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عصام محمد
علي عبد
الحفيظ عدوان
، " شيخ الإسلام أبو السعود أفندي 898هـ/982هـ - 1493م/1574م " ، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات ،
العدد 22 ، القدس ، شباط 2011م ، ص 265 - 270. [www.qou.edu/homePageItemVcount?file=arabic/...]
ولما توفي
المفتي المولى سعد الله بن عيسى سنة 945هـ/1539م ، اضطرب أمر الفتوى حتى أمسك أبو
السعود بالمنصب بعد تداول ثلاثة علماء عليه سنة 952هـ/1545م ، وهكذا صار مفتيا
لاسطنبول وشيخا للإسلام في الدولة العثمانية ، واستمر في المنصب ثلاثين سنة.
وقد ساوى
قانونامة بين شيخ الإسلام والدفتردار والصدر الأعظم من حيث الرتبة ، كما أعطى
القابا لمفتي العاصمة خاصة شيخ الاسلام ، وقد ساهم أبو السعود بشكل أساسي عبر
فتاويه في التشريع السلطاني ، وتصفه دائرة المعارف الإسلامية بالأقل رجعية - أو
المتنور والمنفتح بلغة عصرنا - بين مشايخ الاسلام ، لفتواه بعدم إكراه النصارى على
الإسلام. (01)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01-
عصام محمد
علي عبد
الحفيظ عدوان
، نفس المرجع.
03- نماذج عن شيوخ الإسلام الجزائريين تحت الحكم العثماني :
03/01- عبد الكريم الفكون :
أ- مولده و نسبه وعائلته :
ولد عبد الكريم الفكون بقسنطينة
سنة 988هـ / 1580م ، وهي سنة وفاة جده عبد الكريم بن قاسم الفكون فسمي باسمه ، و
ينتمي لأحد أعرق البيوتات العلمية في قسنطينة " بيت آل الفكون " ، والتي
توارث أفرادها من عهد بعيد المجد والرئاسة والعلم والصلاح ، ويرجع أصلهم لقبيلة
تميم العربية ، ولكن العلامة عبد القادر الراشدي ذكر في آخر صفحة من كتابه " عقد اللآلئ المستضيئة لنفي ظلام التلبيس " أن نسب الأسرة
ينتهي لفكونة ، وصارت هذه العائلة في العهود الأخيرة
تعرف بسيدي الشيخ ، وتعود العائلة في أصولها للقرن 06هـ ، ومن أجداد عبد الكريم
الفقون المتقدمين الفقيه أبي علي الحسن بن علي الفكون ، صاحب الرحلة المنظومة من قسنطينة لمراكش
أواخر نفس القرن.
واشتهرت العائلة كذلك بالثراء فكانت تنفق في وجوه البر والإحسان ، كما أصبحت تتمتع بنفوذ روحي بعد تكليفها برئاسة ركب الحج الجزائري ، كما كانت لها في قسنطينة زاوية تحمل اسمها لإيواء العلماء والطلاب ، وممن اشتهر منها وذاع صيته ، عبد الكريم
الفكون الجد المتوفى سنة 988هـ ، والذي كان أول من تولى وظيفة الامامة
والخطابة من عائلة الفكون ، بالجامع الكبير بقسنطينة خلال العهد العثماني بعد سنة 975هـ
، و قد ترجم له حفيده عبد الكريم الفكون في " منشور الهداية " ، ومنهم
والده الذي تولى جميع وظائف أبيه من إمامة وخطابة بالجامع الكبير بقسنطينة ، وقد توفي أثناء
رجوعه من الحج في مكان بين الحجاز ومصر سنة 1045هـ ، وقد استطاعت عائلة الفكون
خلال العهد العثماني أن تتحصل على امتيازات
كثيرة ، وأن تحتل مكانة اجتماعية مرموقة بسب سمعتها الدينية والعلمية ، وقد نوه به
وبأسرته ـ نظما ونثرا ـ معاصره العلامة الأديب أحمد المقري
التلمساني. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو مريم الجزائري ، شيخ
الإسلام عبد الكريم الفكون ، نقلا بتصرف من الموقعين :
ب- طلبه للعلم وشيوخه :
نشأ الفكون في كنف والده الذي هو
كان أول شيوخه ، ثم عكف على تحصيل مختلف العلوم الشرعية
واللغوية ، ثم تولاه كبار شيوخ عصره مثل سليمان القشي وعبد العزيز النفاتي ، وأبو
عبد الله محمد الفاسي المغربي ومحمد التواتي المغربي ، وكان كثيرا ما يعتكف على
القراءة من مكتبة العائلة الزاخرة.
جـ- الوظائف و المهام التي تولاها :
تولى التدريس بالجامع الكبير بقسنطينة
في حياة والده ، الذي كان ينيبه عنه أثناء غيابه رغم صغر سنه نسبيا ، كما دَرس في زاوية
العائلة و في مصلى بيته ، و في المدرسة التابعة للعائلة ، وبعد
وفاة أبيه عام 1045هـ خلفه في إمامة المصلين والخطبة أيام الجمع والأعياد ، و السهر على
أوقاف الجامع الكبير ، كما تقلد إمارة ركب الحج و حصل على لقب شيخ الإسلام بعد أن
بلغ نفوذه العلمي والروحي ذروته ، وقد بقيت إمارة الحج في أيدي عائلة الفكون لقرون
عديدة ، وكان آخر من تولاها محمد بن عبد الكريم بن بدر الدين الذي أدركه الاحتلال
الفرنسي في سن الثمانين (ت 1256هـ).
وتخرج على يدي الفكون مجموعة كبيرة
من الطلاب ، ومن أشهرهم أبو مهدي عيسى الثعالبي ، وأبو سالم العياشي المغربي ، و
يحي الشاوي ، و بركات بن باديس ، و أحمد بن سيدي عمار ، و محمد وارث الهاروني ، و
محمد البهلولي ، و أحمد بن ثلجون ، وعلي بن عثمان بن الشريف و غيرهم. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو مريم الجزائري ، نفس
المرجع.
د- وفاته وثناء العلماء ومعاصريه عليه :
لما تقدمت به السن انقبض عن الناس وترك الاشتغال
بالعلوم ، وسمع يقول : " قرأتها لله وتركتها لله " ، وقد توفي رحمه الله بالطاعون يوم 27 ذي الحجة 1073هـ الموافق لـ 03 أوت 1663م عن عمر يناهز الخامسة والثمانين.
وكان من أعلام عصره في الحديث و
الفقه و النحو ، وقال عنه المقري : " عالم قسنطينة وصالحها وكبيرها ومفتيها ، سلالة العلماء الأكابر ووارث المجد كابرا عن كابر ، المؤلف سيدي الشيخ عبد الكريم الفكون
حفظه الله .... عالم المغرب الأوسط غير مدافع ، وله سلف علماء ذوو شهرة ، ولهم في الأدب الباع المديد " ، وقال عنه تلميذه
أبو مهدي عيسى الثعالبي في " كنز الرواة " أنه : " علامة الزمان ورئيس علوم اللسان و فخر المنابر إذا خطب ، و لسان المحابر
إذا شعر أو كتب " ، أما أبو
سالم العياشي فقد قال عنه : " العلامة الفهامة الناسك الجامع بين
علمي الظاهر والباطن سيدي عبد الكريم بن محمد الفكون القسنطيني ".
هـ- آثاره ومؤلفاته :
- منشور الهداية في كشف من ادعى العلم والولاية ، وهو كتاب تراجم تعرض لترجمة
أكثر من سبعين شخصا ، كما إنه تقييد هام يصور طبيعة البيئة القسنطينية زمن
الانهيار وهيمنة عقلية الخرافة ، كما أرخ لأحداث مدينته و ما جاورها ، وما يجلب
الانتباه في هذا الكتاب هي تراجمه التي لم يقصد بها التعريف
بمناقب المترجم لهم ، و إنما أراد بها نقد أحوال أدعياء العلم والتصوف في وقته ،
استنادا لخلفية إصلاحية تنويرية (01) ، وقد ألف كتابه هذا على فترات
في شكل مذكرات ، وانتهى منه بعد سنة 1045/1635م مع وفاة والده ، وتاريخ بداية
كتابته غير محدد ، ومحتمل أنه في عشرينات القرن 11هـ/16م ، ويسميه أحيانا تأليفا
أو تقييدا أو ديوانا ، وحياة الناس المترجم لهم يسميها تارة ترجمة أو فهرسة أو
سيرة ، والكتاب به معلومات هامة عن الحياة الاجتماعية في قسنطينة. (02)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو مريم الجزائري ، نفس
المرجع.
02- شيخ الإسلام عبد الكريم بن
الفكون ، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية ، تقديم وتحقيق
وتعليق : الدكتور أبو القاسم سعد الله ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1987
، ص 15 - 16.
وقد بين المهدي
البوعبدلي أن هذا التأليف لا يتجاوز كراسة واحدة ، وقد وضعه بعد حادثة له مع أحمد بن حسن الغربي أحد علماء قسنطينة ، و
يبدو من العنوان ومن ظرف الكتابة ، أن هذه الكراسة عبارة عن مناقشة لما ادعاه
الغربي ، ولكن معرفتنا لبعض آثار الفكون الأخرى ، تجعلنا نعتقد أن هذا
العمل غني بالآراء والنقول ، و أن الفكون تطرق فيه لأنواع القراءات و رواتها.
- سربال الردة في من جعل السبعين لرواة الإقرا عدة ، وهو كتاب مخطوط بباريس ، وتأليف في القراءات ، غني بالآراء والنقول ، عالج فيه أنواع القراءات ورواتها وغير ذلك مما يتصل بهذا الموضوع. (01)
- فتح الهادي في شرح جمل المجرادي ومخارج الحروف من الشاطبية ، وهو مؤلف في القراءات
أيضا.
- الدرر في شرح المختصر ، والمقصود به مختصر عبد الرحمن الأخضري.
- شرح البسط والتعريف في علم التصريف ، ألفه سنة1048 هـ وهو شرح للأرجوزة المشهورة
لصاحبها النحوي عبد الرحمان المكودي الفاسي (ت 807 هـ) ، وقد
التزم فيه عقب كل شاهد ذكر حديث مناسب للشاهد معنى وإعرابا.
- فتح المولى في شرح شواهد الشريف بن يعلى ، وهو الكتاب
الذي رصد فيه منتخبات الشواهد الشعرية ، التي وظفها الشريف أبو عبد الله محمد بن
أحمد بن يعلى الحسني ، وشرحه يسمى " الدرة النحوية في شرح الآجرومية " وهو أول
شرح لمتن " الآجرومية ".
- شرح لامية الجمل النحوية للمجراد السلاوي (ت
778هـ). (02)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو القاسم سعد الله ، تاريخ
الجزائر الثقافي 1500 - 1830 ، ج 02 ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ،
بيروت ، 1998 ، ص 24.
02- أبو مريم الجزائري ، نفس
المرجع.
- محدد السنان في نحور إخوان الدخان ، ويسمى أيضا " محدد اللسان " ، وهو تقييد مفيد
يرد فيه على دعاة شرب عشبة التبغ ، وعلى رأسهم
العالم المصري الشهير الأجهوري ، وقد أورد فيه معالجة فقهية جامعة لهذه الظاهرة
الغريبة ، مبينا بالحجج و البراهين حرمتها ومضارها ، وهي من العادات السيئة التي بدأت تنتشر في عصره.
- كتاب في حوادث فقراء الوقت.
- فتح المالك في شرح ألفية ابن
مالك ، وهو شرح على لامية ابن مالك في التصريف.
- شفاء الأمراض لمن التجأ الى الله بلا اعتراض ، وهو نظم في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والتابعين والأولياء.
(01)
- ديوان شعري ، حيث كان تعاطيه
الشعر لمعارضة ما يرد عليه منه في رسائل المراسلين ، أمثال المقري وتاج العارفين والسوسي المغربي (ت 1023هـ) ، ومنه ما كان ينظمه للتنفيس عن كرب الدنيا مثل " سلاح الذليل في دفع الباغي المستطيل " ، ومنه ما نظمه
في المديح النبوي تحت ضغط المرض الذي عانى منه طلبا
من الله لتعجيل الشفاء. (02)
وقد حاول ابن الفكون تكسير التقليد بالعلوم
الشرعية في القرن 11هـ/17م ، والذي يعد نموذجا للثورة على الجمود العقلي لدى فقهاء
عصره ، وانتقد ظاهرة الحفظ لديهم ومنهم صديقه أحمد المقري ، أو النقل عن السابقين
دون تغيير ، وبحثا كذلك عن المدح من الخاصة والعامة ، ونادى بتقديم الاجتهاد
العقلي (الدراية) على التقليد (الرواية) (03) ، ورغم
ما يظهر من العقلانية عند عبد الكريم الفكون ، فإننا نجده لم يرفض التصوف ولم
يعترض على الكرامات ، ومنشور الهداية مليء بأخبار الأولياء والمتصوفة الذين رأى
فيهم ابن الفكون البركة والصلاح ، وهو يبني عليها أحكاما تتناقض مع دعوته لنبذ
البدع والاحتكام للسنة الصحيحة. (04)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو مريم الجزائري ، مرجع
سابق.
02- شيخ الإسلام عبد الكريم بن
الفكون ، مصدر سابق ، ص 11.
03- أبو القاسم سعد الله ، نفس
المرجع ، ص 09 - 10.
04- شيخ الإسلام عبد الكريم بن
الفكون ، نفس المصدر ، ص 14.
03/02- الشيخ سعيد قدورة :
أ- لمحة عن حياته :
هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمان وشهرته قدورة ، محدث ومفتي وفقيه وأديب جزائري لقب بشيخ الإسلام ، وأصل
والديه من مدينة قدورة قرب جزيرة جربة التونسية ، وقد هاجرا إلى الجزائر وسكنا بها ، حيث ولد لهما ليلة الإثنين 27 رجب سنة 1034ﻫ
الموافق لـ 05 ماي 1625م ، وبعد وفاة والديه سنة 1001هـ توجه لزاوية الشيخ أبي علي بن أبهلول المجاجي قرب تنس ، حيث مكث ثلاث سنوات من 1005هـ حتى 1008هـ ، عاد بعدها للجزائر
لمتابعة دراسته عند شيخه محمد بن أبي القاسم بن إسماعيل المطماطي ، العائد من
الحجاز للتدريس بالجامع الكبير.
وقد سافر الشيخ سعيد قدورة لتلمسان 1012هـ في طلب العلم ، وتتلمذ على يد الشيخ سعيد المقري ، ثم إلى صحراء فكيك وتافيلالت وسجلماسة وواحة بني عباس ، حيث قابل شيخه أحمد بن عبد الله السجلماسي العباسي ومنها إلى فاس ، ودامت رحلته أكثر من سبع سنوات قبل العودة للجزائر ، وعينه بعدها شيخه
المطماطي خليفة له للتدريس
بالجامع الكبير ووكيلا لأوقافه ، ثم عين مفتيا للمالكية ابتداء من سنة
1028هـ ، وبقي على ذلك حتى وفاته سنة 1066هـ/1656م.
وكان عالما متفننا وزاهدا ورعا ، وله
شرح على متن السلم لعبد الرحمان الأخضري ، وحاشية على شرح العقيدة الصغرى
للسنوسي ، ولم يكن قدورة مفتيا فقط ولا مدرسا
فحسب ، بل كان أيضا يخلط العلم بالتصوف ، وكان يدرس لطلابه كتب ابن عطاء الله وصحيح
البخاري ، ورسالة القيرواني وسلم الأخضري وصغرى السنوسي ، وانفرد قدورة بالإفتاء أواسط سنة
1028ﻫ ، وظل في هذا المنصب لوفاته ، وورثه عنه ولديه
محمد وأحمد. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقعين : [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]
[http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=144240]
ب- مجمل مؤلفاته :
أما إن حصرنا مؤلفاته ، فستكون على النحو التالي :
- حاشية على شرح اللقاني لخطبة خليل.
- شرح خطبة مختصر خليل في الفقه.
- نوازل تلمسانية.
- رقم الأيادي على تصنيف المرادي في النحو ،
وهو نبذة ذيل بها شرح الخلاصة للمرادي.
- شرح المنظومية الخزرجية في النحو.
- حاشية على شرح الصغرى للسنوسي.
- شرح على السلم المرونق في المنطق.
جـ- وظائفه :
تدرج في الوظائف من إمام جامع
البلاط ، إلى خطيب جامع سيدي رمضان ، ثم إمام وخطيب ومدرس الجامع الكبير
، فمفتي المالكية ووكيل أوقاف الجامع الأخير ، وكان محظيا عند الباشوات
لدرجة أنهم كانوا يقفون له إجلالا ويقبلون يده ، ويقدمونه
على المفتي الحنفي (شيخ الإسلام) الذي كان يمثل المذهب الحاكم ، ومنهم يوسف باشا الذي حكم الجزائر من
1647م إلى1650 م ، وكان من الحكام الذين يقربون العلماء ويعفون المرابطين والأشراف من دفع الضرائب ويهدونهم ويكرمونهم ، وقد انتفع بعلم الشيخ قدورة جمع
غفير من الناس إلى أن توفي سنة 1066هـ/ 1656م ، ودفن بزاوية الشيخ أحمد بن عبد الله الجزائري. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقع : [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]
د- أهم ما قيل عنه :
قيلت عدة أقوال في علمه وصفاته وورعه ، منها ما قاله الإفراني : " العالم المتفنن الزاهد الورع الموصوف بالصلاح ، ولي الفتوى بالجزائر فأحسن فيها " ، وقال عنه شاه ولي الله الدهلوي : " شيخ الإسلام وصدر الأئمة الأعلام أبي عثمان سعيد بن إبراهيم الجزائري ومفتيها المعروف بقدورة ". (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقع : [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]
03/03- ابن المفتي :
ولد ابن المفتي سنة 1095هـ/1688م ، بمدينة
الجزائر وعاش بها ، وهو ابن المفتي الحنفي حسين بن رجب شاوش ، الذي وصفه ابنه هذا
في كتابه " التقاييد " بالشيخ الإمام الصالح الكامل الأصولي الفقيه
المتبحر ، وأنه ولد بمدينة الجزائر وتولى الإفتاء بها سنة 1102هـ/1691م وعمره
ثلاثون سنة ، وذكر كذلك بأن والده هو أول كرغلي يتولى الإفتاء بالجزائر ، حيث
كانوا محرومين من ذلك قبلا ، وقد عزل في عهد الداي مصطفى ، أما شيوخ ابن المفتي حسبه فهم
الشيخ محمد بن نيقرو وعمار المستغانمي ومصطفى العنابي ، وعاصر مرحلة الدايات في
الفترة من 1095هـ/1683م إلى 1166هـ/1753م ، ولم يضع عنوانا لكتابه ولكن جورج دلفان
George Délphin ذكر بأن الجزء الذي عثر عليه من ورثة ألبير
ديفو Albert Devoulx ، كان بعنوان " تاريخ الباشوات الذين حكموا
جزائر الغرب " ، وحسب المدني فعنوان الكتاب هو " تاريخ باشوات وعلماء
جزائر الغرب " ، ولكنه هو نفسه يقول عن تأليفه أنه مجرد تقاييد ، وهذا ما
يرجحه المؤرخ العلامة أبو القاسم سعد الله ، كون مادة الكتاب مجرد تقاييد. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- ابن المفتي
حسين بن رجب شاوش ، تقييدات ابن المفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائها ،
جمعها واعتنى بها الأستاذ فارس كعوان ، ط 01 ، بيت الحكمة ، العلمة / سطيف
(الجزائر) ، 2009 ، ص 11 - 19.
03/04- ابن العنابي :
أ- التعريف
بشخصه :
هو العلامة الشيخ محمد بن
محمود بن محمد بن حسين بن محمد أفندي الإزميري ، ولد بالجزائر سنة 1190هـ ، ودرس
على والده وابن الأمين علي والشيخ محمد جكيكن ، وفي سنة 1208هـ تولى القضاء وهو
ابن 18 سنة ، وبقي فيه سنتين ثم عزل نفسه حتى لا يخالف أحكام الشرع ، وبعد أشهر
ولي الإفتاء ثانية وبقي فيه ثلاث سنوات ، ولما مات مفتي الجزائر سنة 1213هـ ولوه
الفتوى.
وبقي يفتي على مذهب المالكية حتى سنة 1236هـ ، حين
عزم على الحج مع والده ومحمد أفندي أخ حسين باشا ، وحين وصلوا الإسكندرية بقوا
هناك ، ثم اتجه للتدريس بالأزهر تسع سنوات ، وفي سنة 1245هـ أرسل حسين باشا يطلبه
بسفينة خاصة ، فذهب للجزائر وصار مفتيا حنفيا خلفا للشيخ أحمد بن عمر بن مصطفى ، وهي
السنة التي كان فيها مصطفى الكبابطي قاضيا ، واستمر هذا الأخير زمن المحتلين
الفرنسيين ، ولكنهم نفوه للإسكندرية فحل ضيفا على صديقه ابن العنابي سنة 1843م. (01)
وينتسب ابن العنابي لأسرة عريقة ، حيث كان
جده حسين بن محمد مفتيا للمذهب الحنفي ، ودرس الحديث على جده وتعلم الفقه واللغة
على والده ، وكذلك على الشيخ عبد القادر بن الأمير المفتي المالكي ، وكان لديه اطلاع
واسع على العلوم الشرعية والعلوم الحديثة ، وتقلد عدة مناصب كالقضاء والإفتاء ،
كما قام بسفارة للمغرب سنة 1816م ، بتكليف من الداي عمر باشا للسلطان مولاي سليمان
، لأجل المساعدة في إعادة بناء الأسطول الجزائري الذي قصفته بريطانيا ، وقد وجد حفاوة
الاستقبال لدى السلطان وحقق له بعض مطالبه. (02)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو القاسم
سعد الله ، رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي ، ط 02 ، دار الغرب الإسلامي
، بيروت ، 1990 ، ص 06 - 11.
03- مولود عويمر
، الشيخ ابن العنابي ذلك المصلح المجهول ، نقلا بتصرف عن الموقع :
وتقدم لنا ترجمة عبد
الحميد بك لابن العنابي* صفحة جديدة من حياة هذا الرجل ، الذي جاء في وقته ففهمه
البعض واستفادوا منه ، ولم يفهمه آخرون واعتبروه نشازا وسخطوا عليه ، ونفوه من
الجزائر أولا ثم عزل في مصر ثانيا ، ولا يجب الاكتفاء بما كتبه عنه عبد الحميد بك ،
لأنه سمع عنه أخبارا مشوشة من الجالية الجزائرية بالإسكندرية. (01)
ب- مؤلفاته
:
ألف ابـــــــن العنابي عدة كتب ، وأحصى له المؤرخ
العلامة أبو القاسم سعد الله في كتابه " رائد التجديد الإسلامي محمد بن
العنابي " سبعة عشر كتابا ورسالة وإجازة ، نذكر منها :
- صيانة
الرياسة ببيان القضاء والسياسة./- السعي المحمود في نظام الجنود.
- العقد
الفريد في التجويد./- لمعان البيان في بيان أخذ الأجرة على القرآن.
- التحقيقات
الإعجازية بشرح نظم العلاقات المجازية.
غير أن معظم هذه الكتب بقيت مخطوطة ،
ومكدسة في خزائن المكتبات المصرية والتركية والفرنسية (02) ، وبعد مضايقة الفرنسيين لابن العنابي توجه للإسكندرية
، فولاه محمد علي فتوى الحنفية بدلا للشيخ خليل السعدان ، وبقي كذلك لسنة 1266هـ ،
حين نقم عليه عباس باشا حفيد محمد علي وعزله وعوضه بالشيخ محمد البنا ، وبقي
مبتعدا ببيته حتى وفاته سنة 1276هـ/ 1851م. (03)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* يعد كتاب " تاريخ عبد الحميد بك " ، أهم
وأوسع ترجمه للمفتي ابن العنابي ، وقد توفي
عبد الحميد بك سنة 1280هـ/1863م ، وكان صاحبا وصهرا لمحمد علي والي مصر ، وتولى
وظائفا إدارية ، وكتابه هذا غير منشور وموجودة نسخة منه بمكتبة ليدن في هولندا ،
وهو كتاب في تراجم أهل القرن 19م.
01- أبو القاسم
سعد الله ، نفس المرجع ، ص 06.
02- أبو القاسم
سعد الله ، نفس المرجع ، ص 11 - 13.
03- مولود عويمر ، نفس المرجع.
جـ- كتابه " السعي المحمود في نظام الجنود "
:
هو دعوة
تجديد وإصلاح في النظم العسكرية والسياسية على هدي الإسلام ، وتضمن إضافة للفصول
العسكرية والتنظيمية ، فصولا عن رحمة الضعفاء وإقامة العدل ورد المظالم ، وإظهار
شعائر الدين ، واجتماع الكلمة والاتفاق ، وجواز تعلم العلوم الآلية من الكفرة دون
التأثر بهم في الدين والفكر ، وتحدث فيه عن أسباب النصر والقوة ، وعن أسباب سقوط
الدول ، ويظهر
من مضامينه عزة النفس الإسلامية ، والاستعلاء الإيماني على الكفرة ، والدعوة إلى
الجهاد في سبيل الله ، ولهذا عد ابن العنابي رائدا للتجديد الإسلامي في عصره
بالجزائر ، وقال عنه معاصره حمدان بن خوجه : " كان المفتي سيدي محمد العنابي
رجلا نزيها فاضلا " ، ولكتابه عدة نسخ مخطوطة في تركيا ومصر وتونس ، وطبع في
الجزائر بتحقيق محمد بن عبد الكريم في المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر سنة 1983م.
(01)
د- خطاب
ابن العنابي التجديدي وفكره الإصلاحي :
يعد الشيخ محمد ابن العنابي نموذجا للمثقف
الملتزم بهموم أمته ، والمشارك في حركة التجديد ، حيث كرس قلمه لنقد الأوضاع
السائدة في الجزائر والعالم الإسلامي ، ورسم معالم الطريق للنهضة ، وصبر على المعوقات
في سبيل ذلك ، وخلافا لكثير من العلماء الذين سبقوه وعاصروه ، اعتبر ابن العنابي
أن الخلل ليس في الأمة فقط ، ولكن في السلطة كذلك ، لإرساء حكم راشد قائم على
ثلاثة مبادئ ، وهي أولا الليونة والتسامح والتعامل مع الآخر بالإحسان ، أما ثانيا
الشورى وعدم الاستبداد بالرأي والانفراد بالحكم والقرار ، وأخيرا الكفاءة وعدم
إسناد الأمر لغير أهله ، وهكذا سبق الشيخ ابن العنابي رواد الإصلاح السياسي في
العالم الإسلامي المعاصر ، خاصة جمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي وعبد
الرحمان الكواكبي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- أبو القاسم
سعد الله ، نفس المرجع ، ص 59 - 61.
02- مولود عويمر ، نفس المرجع.
وفي مجال الإصلاح العسكري ، دعا ابن
العنابي لبناء جيش عصري قادر على مواكبة التحديات الجديدة أمام العالم الإسلامي ،
وكان لا يرى عيبا في الاقتباس من النظم العسكرية الأوروبية في التسليح والتنظيم
والصرامة ، كما سبق المصلح المصري رفاعة رافع الطهطاوي في الدعوة للأخذ بأسباب
التطور ، ونادى بهذه الأفكار الجديدة في سنة 1826م ، وهي سنة بعثة الشيخ الطهطاوي
إلى فرنسا ، ولقد كانت الفكرة السائدة في عصره هي أن الاقتداء بالغرب في تطوره هو
تشبه بالكفار ، في حين اعتبر الشيخ ابن العنابي أن العلم ملك للإنسانية ، غير أن آراءه التجديدية لم تلق آذانا
صاغية وعقولا صافية وعزائم قوية. (01)
وفي كتابه آنف الذكر نقد ابن العنابي
معاصريه من الفقهاء بشدة ، وسخر من أفكارهم ومظهرهم ، كما نادى بضرورة النهضة
الإسلامية بالمنافسة مع العالم الأوربي ، واللحاق به في أنواع المبتكرات الصناعية
والحربية ، وكان له رأي أيضا في الديمقراطية السياسية وتوزيع الثروة واختيار
الأكفاء في الإدارة. (02)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- مولود
عويمر ، نفس المرجع.
02- أبو القاسم سعد الله ، نفس
المرجع ، ص 11.
- مصادر
ومراجع البحث :
أ- المصادر :
01- ابن الفكون عبد الكريم (شيخ
الإسلام) ، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية ، تقديم
وتحقيق وتعليق : الدكتور أبو القاسم سعد الله ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت
، 1987.
02- ابن المفتي
حسين بن رجب شاوش ، تقييدات ابن المفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائها ،
جمعها واعتنى بها الأستاذ فارس كعوان ، ط 01 ، بيت الحكمة ، العلمة / سطيف
(الجزائر) ، 2009.
ب- المراجع :
01- سعد الله أبو القاسم ، تاريخ
الجزائر الثقافي 1500 - 1830 ، ج 02 ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ،
بيروت ، 1998.
02- __________ ،
رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي ، ط 02 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ،
1990.
ب- مقالات إلكترونية :
01- نقلا بتصرف عن موقع دار الإفتاء
اللبنانية :
]http://www.yabeyrouth.com/pages/index1236.htm[
02- موسوعة مقاتل ، شيخ الإسلام ، ص
01-02 ، نقلا بتصرف عن الموقع الإلكتروني :
http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/HokmOsmani/sec02.doc_cvt.htm
03- صالح وردياني ، " مدافع الفقهاء : الفقهاء والعثمانيين " ،
المستبصر ، ص 37 - 40 ، نقلا من الموقع :
04- عمار جيدل ، رائد الفكر الإسلامي الحديث : شيخ
الإسلام مصطفى صبري ، جامعة
الجزائر المركزية ، نقلا بتصرف من الموقع :
05- عصام محمد
علي عبد
الحفيظ عدوان
، " شيخ الإسلام أبو السعود أفندي 898هـ/982هـ - 1493م/1574م " ، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات ،
العدد 22 ، القدس ، شباط 2011م ، ص 265 - 270. [www.qou.edu/homePageItemVcount?file=arabic/...]
06- أبو مريم الجزائري ، شيخ الإسلام
عبد الكريم الفكون ، نقلا بتصرف من الموقعين :
07- نقلا بتصرف من مقال بعنوان :
التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقع : [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]
[http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=144240]
08- مولود عويمر ، الشيخ ابن العنابي ذلك المصلح المجهول ، نقلا
بتصرف عن الموقع :
09-
............................................................ [/شيخ الإسلام/ Wikipedia.com]
- الخاتمة
:
وضع
العثمانيون حجر الأساس لأول مؤسسة دينية حكومية ، تخضع للإشراف المباشر من الحكم المركزي
في تاريخ المسلمين ، وقبلهم كان حكام المسلمين يتعاملون مع الفقهاء حسب الحاجة
والمصلحة ، ومع فقهاء المذاهب الأربعة في وقت واحد ، في حين اختلف الأمر مع
العثمانيين ، حيث كان شيوخ الإسلام في المركز والولايات من المذهب الحنفي ، وهو
المذهب الرسمي للدولة العثمانية.
وعندما أنهى العثمانيون بناء مؤسسة شيخ
الإسلام ، صار الدين محتكرا في دائرة هذه المؤسسة ، التي ركزت على المذهب الحنفي ،
وأخرجت المذاهب الأخرى من ممارسة السلطة الدينية الرسمية ، لتتحول مهامهم نحو اصدار
الفتاوى في المحيط المحلي ، ونحو التعليم الديني الأهلي ، وصارت أحيانا تحت نظر
السلطة بسبب الشبهة منها ، ولكن هذا لم يمنع من ظهور شيوخ إسلام مالكيين في
الجزائر ، ذوي صيت وتأثير كبيرين لدى السلطة المحلية وشيخ الإسلام الحنفي التابع
لها ، وتعددت الأسباب في ذلك.
ومع ترسخ نظام شيخ الإسلام في الدولة العثمانية
، تحول معظم الفقهاء لموظفين في الدولة ينتظرون تعليماتها وينطقون بلسانها ويفتون
لصالحها ، وهذا ما أدى لظهور طبقتين
من الفقهاء وعلماء الدين ، واحدة حكومية والثانية شعبية ، وبينهما مشاحنات
دائمة كثيرا ما يسهم الحاكم في زيادة حدتها ، لشغل الجميع ببعضهم وإبعادهم عن
التدخل في سياساته ، التي قد لا تكون شعبية ومقبولة دينيا ، ومن أهم الاستنتاجات
المستخلصة من هذا البحيث ، نذكر :
- ارتباط منصب شيخ
الإسلام بمنصب المفتي ، وغالبا ما كان مفتي السلطنة أو الولاية هو نفسه شيخ
الإسلام المركزي أو المحلي.
- ظهور العديد من مشايخ
الإسلام من مختلف المذاهب في ولايات الدولة العثمانية ، بسبب تركيز هذه الأخيرة
على شيخ واحد رئيسي للإسلام ،
وفق المذهب الحنفي فقط.
- في إيالة الجزائر غرب
، كان هنالك شيخان للإسلام واحد تابع لباشا الجزائر ، ويعرف كذلك بالمفتي الحنفي ،
وآخر أهلي ويعرف أيضا بالمفتي المالكي ، وأحيانا كانت للثاني مكانة لدى السلطة
المحلية تفوق التي للأول.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire