samedi 31 janvier 2015

مشيخة وشيخ الإسلام في اسطنبول والجزائر في العصر العثماني



- المقدمة :

    تميز نظام الحكم في الدولة العثمانية بالاستناد على الشريعة الإسلامية ، وتضمن كذلك بعضا من التنظيمات المأخوذة عن السلاجقة والبيزنطيين ، إضافة للعادات والتقاليد التركية القديمة ، ورغم تبعية ما اصطلح عليه بالمشيخة الإسلامية للسلطان العثماني ، إلا أنه لم يكن في وسعه تجاهل حدود الشريعة الإسلامية ، وكان مرتبطا بفتاوى كبير هذه المؤسسة الجديدة القديمة في العالم الإسلامي ، وقد عرف هذا الأخير بشيخ الإسلام.


    وظهر منصب شيخ الاسلام لأول مرة كمؤسسة دينية أولى في الدولة العثمانية ، في عهد السلطان محمد الثاني ، وكان شيخ الإسلام الشخصية الثالثة أهمية في الدولة ، وكلمته نافذة أكثر في القضايا الدينية ، وعموما فحتى مجمل القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية للدولة احتاجت لفتاويه ، وكان يستشار أيضا في شؤون الحرب والسلم ، وفي إجراء الإصلاحات والتغييرات الحكومية ، وكانت الدولة العثمانية تستغل شيوخ الإسلام في المركز وفي الأطراف مثلما في الجزائر ، في إبطال الشرعية عن الثورات الشعبية داخل حدود الدولة ، وكان هنالك مشايخ للإسلام في الولايات العثمانية يؤدون دورا مشابها ، لما يؤديه شيخ الإسلام الكبير في المركز ، وهذا ما يدفعنا لطرح التساؤلات التالية :

- ما المقصود بالضبط من ناحية مفاهيمية ، من مصطلحي شيخ الإسلام ومشيخة الإسلام ؟

- كيف كان تنظيم هاته المؤسسة الدينية الرئيسية في الدولة العثمانية ؟

- هل كان مشايخ الإسلام في الولايات وخاصة الجزائر ، يمارسون نفس الدور كما شيخ الإسلام الكبير بالمركز ؟

- ما علاقة منصب مفتي السلطنة أو الولاية بشيخ الإسلام ؟

- من هم أشهر مشايخ الإسلام في اسطنبول والجزائر ؟

- ما هي أهم ملامح حياتهم وأعمالهم ؟





- الجانب المفاهيمي حول مشيخة وشيخ الإسلام :

01/01- مفهوم شيخ الإسلام :

     شيخ الاسلام هو لقب يطلق على كل علامة متبحر في العلوم الشرعية الاسلامية ، وله دراية وريادة بين علماء الاسلام ، وعلى العالم الكبير الثقة المتبحر في العلوم الشرعية الاسلامية ، وتختلف إطلاقات هذا اللقب بحسب أتباع العالم ، وقد شاع هذا اللقب في حقب زمنية من تاريخ الاجتهاد والفقه الاسلامي ، وهو لقب يعتبر درجة أدبية معنوية ، سببها أعمال عالم وفقيه ونشاطه العلمي الواسع ، غالبا ما يلتصق باسم علماء و فقهاء بعينهم.

    وقد أطلق هذا اللقب على العديد من العلماء ، منهم العز بن عبد السلام وهو شافعي المذهب ، وابن تيمية وهو حنبلي المذهب ، وابن حجر المحدث ، وإذا أطلق شيخ الإسلام عند الشافعية فالمقصود شيخ الإسلام زكريا الأنصاري ، ولبعض العلماء في كتبهم أعراف خاصة ، فإذا أطلق الحافظ ابن حجر العسقلاني ذلك فالمقصود سراج الدين البلقيني ، وإذا أطلق الحافظ جلال الدين السيوطي فالمقصود ابن حجر العسقلاني.

    وأول ما ظهر مركز شيخ الاسلام ، كان في الدولة العثمانية وأخذ شكل مؤسسة لها كيانها وأهميتها، وقد أجمع المؤرخون على ظهور هذا المركز في عهد السلطان محمد الثاني ، وآخر من تولى مشيخة الإسلام بالدولة العثمانية ، كان الشيخ المجاهد العالم مصطفى صبري التوقادي ، ونفي من دولة الخلافة قبيل اسقاطها هو ووكيله العلامة محمد زاهد الكوثري.

    هذا مع أن شيخ الإسلام كان الشخصية الثالثة في الدولة من حيث الأهمية ، وكان له عبر مركزه تأثير كبير فيها ، ولقد كانت الكلمة الأخيرة في القضايا الحقوقية والدينية تعود له ، وكانت القضايا الحياتية والدنيوية للدولة تحتاج إلى فتاواه ، في إعلان الحرب وفي تحقيق الإصلاحات والتغييرات الحكومية.

     ولقد كان من حق شيخ الإسلام عبر فتواه ، أن يقرر ما إذا كانت انتفاضة ما قامت بوجه الدولة شرعية أم باطلة ، وما إذا كانت المطالبة بالعرش صحيحة أم لا ، كما كان على رأس المؤسسة الدينية ، في حين كان الصدر الأعظم على رأس المؤسسات الدنيوية. (01)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- نقلا بتصرف من الموقع :                                              [/شيخ الإسلام/ Wikipedia.com]

     وفي بدايته كان قاضي العسكر أهم موظف ديني في الدولة ، وهي وظيفة أنشأها المماليك للفصل بين الجند أثناء تنقلاتهم ، ولما انتقلت أمور المسلمين للعثمانيين أبقوا على هذه الوظيفة ، بعد أن اعتبروا شاغلها بمثابة قاضي القضاة ، وفي فترة لاحقة أصبح لقب قاضي العسكر شيخ الإسلام ، وبقي الأمر كذلك حتى نهاية الدولة العثمانية. (01)

01/02- مشيخة الإسلام وتنظيمها في الدولة العثمانية :

    اتسم نظام الحكم في الدولة العثمانية بطابع خاص ، من حيث الإدارة والحكم ، وكان الطابع الأساسي الذي قامت عليه الدولة هو الشريعة الإسلامية ، وتضمن كذلك التنظيمات المقتبسة من الدول السابقة مثل السلجوقية والبيزنطية ، إضافة للعادات والتقاليد التركية القديمة ، خاصة عادات قبائل الغز التركية ، وكان السلطان العثماني رئيسا للدولة ، والتقت في شخصه أكبر هيئتين فيها على الإطلاق ، بصفته حامي البلاد ومنفذ الشريعة الاسلامية ، وهاتان الهيئتان هما الصدارة العظمى والمشيخة الإسلامية ، ولم يكن السلطان في الواقع حاكما مطلقا ، إذ لم يكن في استطاعته تجاهل حدود الشريعة الإسلامية بصورة علنية ، وكان عليه أن يحصل على فتوى من شيخ الإسلام ، قبل اتخاذ أي إجراء سياسي أو ديني أو اجتماعي ، وعلى سبيل المثال لم يستفد من المطبعة إلا بعد اكتشافها في أوربا بمائتين وخمسين سنة ، لكونها كانت تمس مسألة طبع الكتب الدينية. (02)







ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- نقلا بتصرف عن موقع دار الإفتاء اللبنانية :

]http://www.yabeyrouth.com/pages/index1236.htm[

02- موسوعة مقاتل ، شيخ الإسلام ، ص 01-02 ، نقلا بتصرف عن الموقع الإلكتروني :

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/HokmOsmani/sec02.doc_cvt.htm

    ويمكن تقسيم نظام الحكم الإداري العثماني لثلاث هيئات هي :

العلمية والقلمية (الإدارة) والسيفية (الجيش) ، وما يهمنا هو العلمية ويقصد بها المشيخة الإسلامية وفئة العلماء والقضاة ، وكان تقوم على أمر التعليم والمدارس والمحاكم والأوقاف ، ورئيس هذه الهيئة ومرجعها الأكبر هو شيخ الإسلام ، وهو إن لم يتفوق على الصدر الأعظم في المنصب ، لكنه لم يقل عنه في المكانة. (01)

     وكان تعيين شيوخ الإسلام في الدولة يتم بسهولة حتى عهد الشيخ أبو السعود أفندي ، وبعده صار مفروضا عليهم الحصول على منصب قضاء عسكر الروملي ، ثم يعينون بعد ذلك من لدن السلطان نفسه ، وللصدر الأعظم تأثير في هذه القضية ، وكانت ترتبط بشيخ الإسلام مجموعة من الدوائر العلمية ، وهي : القضاء والمدارس ونقابة الاشراف وعلماء القصر ، وموظفي الشؤون الدينية.

     وكانت مؤسسة القضاء تنقسم لثلاث مناطق هي :  قضاء عسكر الروملي ، وقضاء عسكر العرب ، وقضاء عسكر العجم ، وقضاء عسكر مصر ، وكان التعليم والمدارس لعهد السلطان محمود الثاني تابعين لمشيخة الإسلام ، ثم فصلا عنها نهائيا في عهده (1809/1839م - 1224/1255هـ) سوى المرحلة الابتدائية التي ظلت تحت إشرافها ، وكانت على نهج نظام الملك السلجوقي ، أما نقابة الأشراف فهي سابقة على العثمانيين ، ونشأت عندهم سنة 803هـ واستمرت حتى زوال الدولة العثمانية سنة 1342هـ/1924م ، وكان نقباء الأشراف يعينون من لدن المشيخة الإسلامية من فئة العلماء ، وبالنسبة لعلماء القصر فهم من المختارين لتربية وتدريس أمراء آل عثمان منذ صغرهم ، وعن موظفي الشؤون الدينية فهم من الوعاظ والخطباء العاملين في الدعوة والإرشاد بالدولة ، وكانوا تحت إشراف مباشر من شيخ الإسلام ، ويضاف لمشيخة الإسلام رعاية الأوقاف والمساجد. (01)





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- موسوعة مقاتل ، شيخ الإسلام ، ص 01-02.

01/03- سياسة الدولة العثمانية في منصب شيخ الإسلام :

      وضع العثمانيون حجر الأساس لأول مؤسسة دينية حكومية ، تخضع لإشراف الحكم في تاريخ المسلمين ، وقبلهم كان الحكام يتعاملون مع الفقهاء وفق الحاجة والمصلحة ، فتارة يقربون الشافعية ، وتارة ينقمون عليهم ، وتارة يقربون المالكية ، وتارة ينقمون عليهم ، وكان من الممكن للحاكم أن يتعامل مع فقهاء المذاهب الأربعة في وقت واحد ، كما كان الفقهاء والقضاة يدينون بالطاعة والولاء للحاكم ، ولكهنم لم يكونوا ينطقون جميعهم بلسانه ، ويعتمدون في أرزاقهم عليه.

      ولكن العثمانيين بإعلانهم مؤسسة شيخ الإسلام ، قد حكروا الدين في دائرة هذه المؤسسة ، التي منحت الشرعية وفق مذهب الأحناف الذي تبنته الدولة العثمانية ، بينما أخرجت المذاهب والاتجاهات الأخرى من دائرة الحماية الحكومية ، لتتحول إلى أنشطة فقيهة أهلية لا تملك القدرة على التأثير في الجماهير ، بل أصبحت محل رصد السلطة وتحيط بها الشبهات ، وتحول الفقهاء إلى موظفين في الدولة ينتظرون تعليماتها وينطقون بلسانها ويفتون لصالحها ، ومن باب حماية هذه المراكز الوظيفية والامتيازات التي ترتبط بها ، اتخذ فقهاء الدولة موقف العداء الصريح من الفقهاء والأنشطة والتيارات ، التي لا تخضع لهم وتنازعهم دورهم وتهدد نفوذهم وتوقع بينهم وبين الحاكم.

     وبداية من هذه الفترة ظهرت طبقتان من الفقهاء واحدة حكومية والثانية شعبية ، وبين الطبقتين صراع قائم ومستمر ، كثيرا ما يسهم الحاكم في زيادة حدته من باب سياسة فرق تسد وشغل الجميع ببعضهم ، ولقد استقبل الفقهاء العثمانيين كفاتحين مسلمين جاءوا لتحريرهم من استعمار المماليك ، واعترفوا بهم كخلفاء شرعيين. (01)



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- صالح وردياني ، " مدافع الفقهاء : الفقهاء والعثمانيين " ، المستبصر ، ص 37 - 40 ، نقلا من الموقع :                [http://www.shiaweb.org/books/madafea_alfoqafaa/pa2_7.html]



    وقد أحدث السلطان مراد الأول منصب قاضي العسكر ، الذي كان صاحب سلطة مطلقة تجاوزت الحدود العسكرية إلى السيطرة على القضاة والفقهاء والموظفين ، وخضت الهيئات الدينية والقضائية بعد عهد سليم الأول لمفتي استنبول ، أو ما أطلق عليه مفتي التخت السلطاني أو شيخ الإسلام ، وعمل السلطان محمد الثاني وسليمان الأول على ودعم مركز شيخ الإسلام ، وتقوية شوكته ورفعه إلى أعلى المناصب الإدراية في الدولة. (01)

01/04- طريقة مشيخة الإسلام في انتخاب المفتي أيام العثمانيين :


 


     اختلفت طريقة انتخاب المفتي في العهد العثماني عما هي عليه اليوم ، ففي أيام العثمانيين كانت عملية الانتخاب قاصرة على العلماء المتعممين ، الذين شكلوا رجال السلك الديني في البلد ، وهم في العادة من القضاة الشرعيين والمكلفين بالمهمات المسجدية كالتدريس والإمامة والخطابة ، ويضاف إليهم الأعضاء المسلمون السنيون في المجلسين البلدي والولائي.

      وكان هؤلاء الناخبون يختارون ثلاثة مرشحين ويقدمون أسماءهم لوالي الولاية ، الذي بدوره يحيل أسمائهم لمشيخة الإسلام في إسطنبول ، والتي لها حق إستنساب أحدهم واستصدار ما كان يسمي (فرمان عالي شان) أي مرسوم من السلطان ، بتعيين الشخص الذي يستنسبه شيخ الإسلام ، ذلك أن تعيين المفتيين في حواضر الولايات العثمانية كان يقتضي صدور الأمر من السلطان نفسه بوصفه أمير المؤمنين. (02)







ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- صالح وردياني ، نفس المرجع.

02- نقلا بتصرف عن موقع دار الإفتاء اللبنانية :

]http://www.yabeyrouth.com/pages/index1236.htm[

02- نماذج عن شيوخ الإسلام العثمانيين :
02/01- مصطفى صبري التوقادي :
أ- نبذة عن حياته :
      ولد الشيخ مصطفى صبري* سنة 1869م بمدينة " توقاد " في الأناضول ، وتتلمذ في البداية على يد والده أحمد التوقادي ، وأتم دراسته الأولية في مسقط رأسه وبمدينة قيسري ، وانتقل بعدها للأستانة ونال إجازتين ، وصار وهو ابن الثانية والعشرين أستاذا محاضرا بجامع السلطان محمد الفاتح ، بعد الامتحان بدرجة مدرس سنة 1890م ، واختير في 16 جانفي 1900م عضوا بديوان القلم ، ثم اختارته هيئة كبار العلماء رئيسا لصحيفتها " بيان الحق " ، ليعين بعدها عضوا في الهيئة ، وتولى بعدها تدريس الحديث الشريف في مدرسة السليمانية ، واختير نائبا عن مدينة توقاد في المشروطية الثانية بتاريخ 01 جانفي 1908م ، ثم تولى في عهد وزارة الداماد فريد باشا الأول المشيخة الإسلامية سنة 1919م ، وظل محتفظا بمنصبه في الوزارتين المتعاقبتين ، وذلك على أربع مرات في فترات متقطعة بين سنتي 1919 و1920م ، وبلغت مدة شغله هذا المنصب بمجموع فتراتها ثمانية أشهر وواحدا وعشرين يوما ، كما ضبطها الدكتور مفرح القوسي ، ولما ضاق به حال البلاد اضطر للهجرة لمصر سنة 1923م ، ومنها إلى لبنان ، وبقي متنقلا ، فزار مكة ثم عاد لمصر في نفس السنة ، وهذا بعد إقامة قصيرة بتركيا**. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* للتوسع في ترجمة الشيخ مصطفى صبري ، فلينظر لكتاب " الأعلام " للزركلي ، أو لكتاب مفرح بن سليمان القوسي عنه ، من مطبوعات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
** عاد لتركيا أسيرا بيد الاتحاديين الذين قبضوا عليه في بوخارست وسجنوه فيها ، ثم نقلوه لتركيا وفرضوا عليه الإقامة الجبرية بإحدى مدن الأناضول ، ثم لما ألغي قرار الإقامة عاد إلى إسطنبول.
01- عمار جيدل ، رائد الفكر الإسلامي الحديث : شيخ الإسلام مصطفى صبري ، جامعة الجزائر المركزية ، نقلا بتصرف من الموقع :


ب- آثاره العلمية ووقفة مع كتاب " موقف العقل " :
    تتوزع آثاره العلمية على العديد من أنواع التأليف ، ففيها الكتاب الجامع وفيها الكتاب البسيط ، ومنها أيضا المقالات المتخصصة ، وقد ألف بالعربية والعثمانية ، وأهم كتبه :
- النكير على منكري النعمة من الخلافة والأمة*.
- قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة الغرب.
- القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب.
- موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين.
     تضمن كتاب " موقف العقل " زبدة أفكاره وآرائه السياسية والعلمية ، وهو كتاب غني بالمطارحات الفكرية والمناقشات الفلسفية والكلامية والسياسية ، والكتاب من عنوانه يدل على أن غرضه الأصلي الدفاع عن عقيدة الإسلام ، وقد كشف المؤامرات التي تعرض لها الإسلام من خلال هجمات الغربيين ، والتحدي الفكري العقدي الذي قادته قوى الإلحاد.
     كما بين في كتابه قيمة الدليل العقلي مقارنة مع الأدلة التي استند إليها المثقفون الغربيون أو المتغربون ، فبرهن بأنه أيقن من الدليل التجريبي ، وناقش أدلة فلاسفة الغربيين على وجود الله ، كما رد شبه النافين من الملاحدة ، وهذا الجهد يدل على إحاطته بالفكر والفلسفة الغربيين عامة ، بخلاف ما ذهب إليه بعض الباحثين ، ونجده مثلا يرفع سوء الفهم عن بعض عبارات ديكارت ، ويخوض جدالا حادا مع فلسفة كانط أو ديمقريطس وإلحادية بوخنر. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كان الشيخ بحكم منصبه وموقعه من السلطان العثماني ، شاهدا حيا على انقلاب مصطفى كمال أتاتورك وإلغاءه لنظام الخلافة ، وقد وثق كثيرا من شهادته في كتابيه " النكير على منكري النعمة " و " موقف العقل ".
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.
     ولقد نشر للشيخ مصطفى صبري مقالات باللغة التركية والعربية في الجرائد اليومية ، كما نشر له مقالات في المجلات العلمية في تلك الفترة ، وتعد هذه المقالات على تنوعها دفاعا عن الإسلام وإبرازا لقوته العلمية ، وقد حاول إرجاع هيبة الإسلام المفقودة ، وذلك ببعث قوته العلمية والفكرية في ساحة كثر فيها العلماء المعجبون بالغرب وحضارته وفلسفته ، حتى عد من المنافحين القلائل عن دينه وحضارة في زمنه.
      وأعمل مسلك الإنكار في كتابه " مسألة ترجمة القرآن " ، حيث عرضها كمسألة يراد توجيه الأنظار فيها إلى رأي مرجوح ، فرام من خلال المطارحة الهادئة لبيان القول الفصل فيها ، ونسج على المنوال نفسه في كتابه " القول الفصل بين الذين يؤمنون بالغيب والذين لا يؤمنون بالغيب " ، محاولا الفصل في مسألة كثر فيها الكلام ، والمرافعة عن الغيب الذي يراد إبعاده خدمة للثقافة الغربية وانسجاما معها ، وبنفس المنهج كتب كتابه " قولي في المرأة ومقارنته بأقوال مقلدة للغرب " ، إذ يدل بقية العنوان على الغرض الأصلي من الكتاب ، الذي يرمي لإبطال أقوال الغربيين ومقلديهم في مسألة المرأة في الإسلام.
      أما موسوعته " موقف العقل والعلم والعالم من رب العالمين وعباده المرسلين " فهو دفاع عن موقف العقل والعلم من رب العالمين وعباده المرسلين ، وتتأكد نـزعة الاستقلال الفكري فيما قرأناه في تلك المؤلفات ، وبالنسبة للعلماء المعاصرين فقد ناقش أقوال أكثرهم شهرة كالشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وشلتوت ، بالدرجة نفسها التي ناقش بها فلاسفة الغرب كباركلي وهيوم وكانط ، وقد سبب له هذا النقد كثيرا من الحرج والمتاعب ، فقيل له : " كيف تنقد هؤلاء الأعلام ؟ " فقال : " إن كتابي كتاب مبادئ لا تراجم ". (01)


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.


       وفي ضوء ما سلف انحصرت مهمة الشيخ فيما يأتي :
- الدفاع عن مركز علم الكلام وإثبات صدقه وصحة استثمار معارفه.
- محاربة اللادينيين وما يرمون لتكريسه من شكوك بطريق الإلحاد.
- الدعوة إلى إصلاح الأوضاع العلمية في العالم الإسلامي ، بصفته الطريق الوحيد للنجاح السياسي والاجتماعي في الحاضر والمستقبل.
- العمل على بيان الخلل الطارئ على العقلية الإسلامية ، وخاصة في تسليم زمام أمورها إلى الفكر الغربي ممثلا في الفلسفة الغربية ولاسيما الوضعية.
- ناضل حاملي الفكر الغربي في البيئة الإسلامية ، وحاول قطع الطريق على أولئك الذين حاولوا التعامل مع الثقافة الإسلامية من منطلق الفكر الوافد ، وكأن الثقافة الإسلامية عارية عن كل أصالة وقوة إقناع.
- دافع الشيخ عن معجزات الأنبياء بوصف إنكارها طريقا معبّدا لإنكار كل ما له صلة بعالم الغيب الذي منه عقائد المسلمين.
- دافع عن موقع الفقه في الشريعة الإسلامية.
- دافع عن الحديث النبوي ضد الذين اختصروا الحديث الصحيح بنسبة الواحد من مائة وخمسين حديثا ، بناء على تفسير خاطئ لقول البخاري ، بأنه لم يصح عنده إلا أربعة آلاف حديث من ستمائة ألف حديث.
- دافع من منطلق معرفي عن وضع المرأة في الإسلام.
- أرجع الخلل في الإعجاب بالغرب في السياسة إلى الخلل في التكوين الثقافي. (01)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
01-  عمار جيدل ، نفس المرجع.


جـ- أقوال العلماء عنه :
      قال هو عن نفسه : " الاجتهاد في العلوم العقلية يلتئم مع فطرتي ومزاجي ، والتي لا يبتعد عنها علم أصول الدين " ، وقال عنه محب الدين الخطيب : " هو فحل الفحول الصائل الذي يعد فضله أكبر من فضل معاصريه " ، وقال عنه الشيخ زاهد الكوثري : " هو قرة أعين المجاهدين " ، وقد مدحه تلميذه الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قائلا : " إن كتابه موقف العقل هو كتاب القرن بلا منازع " ، وقال الشيخ الشهيد البوطي عن كتابه آنف الذكر : " هو كتاب لا مثيل له ".
د- جوانبه الأخلاقية :
    عانى رحمه الله طوال حياته من الفقر الذي كان به فخره ، فقد عاش فقيرا ومات على تلك الحال ، وأكبر شاهد اضطراره لبيع كتبه لتحصيل ثمن تذاكر سفر من الدرجة الثالثة بالباخرة له ولسائر أفراد أسرته ، وذلك من الأستانة إلى الإسكندرية ، برغم توليه لمنصب شيخ الإسلام لسنوات عديدة ، وكانت شجاعته مضرب الأمثال بين علماء عصره ، فقد حارب الاتحاديين وعلماء الدين المتغربين* ، ولحقه من جراء ذلك أذى كبير من قبل المثقفين والساسة ، وقد عمل طوال حياته على تغيير الوضع نحو الأفضل ، وتوفي الشيخ مصطفى صبري رحمه الله بمصر في 02 مارس 1954م.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* أتهم بخيانة الوطن وعداوة الدين ، ووصف بشيخ الأبالسة والشياطين ، وطولب برحيله من مصر على الفور ، على يد جمهور من المصريين المعجبين بأتاتورك ، ولكن بعد تبدل الأحوال لقي تقديرا واحتراما شعبيا ورسميا ، بعد أن ظهرت للناس جناية أتاتورك على الدين والأمة والخلافة.
01- عمار جيدل ، نفس المرجع.

02/02- أبو السعود أفندي :    

      تعاقب على مشيخة الإسلام ومفتي اسطنبول في بدايات الدولة العثمانية ستة عشر شيخا ، كان آخرهم وأطولهم خدمة أبو السعود أفندي ، الذي شغل المنصب لمدة ثلاثين سنة حتى وفاته ، وهي فترة لم يسبقه لها أحد ولم يخلفه بمثلها أحد ، واكتسب أهمية كبرى لارتباطه بالسلطان سليمان القانوني وتشريعاته.

     هو محمد بن محي الدين بن محمد مصطفى العماد الشهير بأبي السعود أفندي ، وهنالك روايات عدة عن تاريخ مولده والراجح أنه ولد سنة 898هـ/1493م ، وهو التاريخ الذي أورده المؤرخ طاشكبري زادة ، وولد في قرية أسكليب بالقرب من اسطنبول ، بينما ترى دائرة المعارف الإسلامية أنه كردي من آمد ، ونشأ في بيت صلاح وعلم حيث كان والده عالما ، وتلقى تعليمه الأول على يديه ، كما أخذ العلم عن جملة من المشايخ كمؤيد زادة وقادري جلبي والمولى سيد قرماني ، وتعلم العربية في صغره على يد والده الذي اصطحبه عند السلطان بايزيد الثاني ، وأصبح ملازما لسيدي جلبي ، ومات أبوه سنة 920هـ/1514م فعرضت عليه رئاسة زاويته ، ولكنه رفض واستمر يتقاضى منحة السلطان 30 أقجة.

     ثم قام بالتدريس في مدرسة داود باشا سنة 927هـ/1521م ، وبعدها في مدرسة علي باشا في اسطنبول في السنة الموالية بخمسين أقجة ، ففي مدرسة الوزير مصطفى باشا سنة 931هـ/1525م ، فمدرسة السلطان محمد في بورسة سنة 936هـ/1529م ، ثم نقل إلى إحدى مدارس الصحن الثمان بعد ثلاث سنوات ، وبقي فيها خمس سنوات حتى تم قبوله في قضاء بورسة ، ثم في قضاء القسطنطينية سنة 940هـ/1533م ، ففي قضاء العسكر بالروملي سنة 944هـ لمدة ثماني سنوات. (01)



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- عصام محمد علي عبد الحفيظ عدوان ، " شيخ الإسلام أبو السعود أفندي 898هـ/982هـ - 1493م/1574م " ، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات ، العدد 22 ، القدس ، شباط 2011م ، ص 265 - 270.          [www.qou.edu/homePageItemVcount?file=arabic/...]



     ولما توفي المفتي المولى سعد الله بن عيسى سنة 945هـ/1539م ، اضطرب أمر الفتوى حتى أمسك أبو السعود بالمنصب بعد تداول ثلاثة علماء عليه سنة 952هـ/1545م ، وهكذا صار مفتيا لاسطنبول وشيخا للإسلام في الدولة العثمانية ، واستمر في المنصب ثلاثين سنة.

     وقد ساوى قانونامة بين شيخ الإسلام والدفتردار والصدر الأعظم من حيث الرتبة ، كما أعطى القابا لمفتي العاصمة خاصة شيخ الاسلام ، وقد ساهم أبو السعود بشكل أساسي عبر فتاويه في التشريع السلطاني ، وتصفه دائرة المعارف الإسلامية بالأقل رجعية - أو المتنور والمنفتح بلغة عصرنا - بين مشايخ الاسلام ، لفتواه بعدم إكراه النصارى على الإسلام. (01)























ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01-  عصام محمد علي عبد الحفيظ عدوان ، نفس المرجع.







03- نماذج عن شيوخ الإسلام الجزائريين تحت الحكم العثماني :

03/01- عبد الكريم الفكون :

أ- مولده و نسبه وعائلته :

    ولد عبد الكريم الفكون بقسنطينة سنة 988هـ / 1580م ، وهي سنة وفاة جده عبد الكريم بن قاسم الفكون فسمي باسمه ، و ينتمي لأحد أعرق البيوتات العلمية في قسنطينة " بيت آل الفكون " ، والتي توارث أفرادها من عهد بعيد المجد والرئاسة والعلم والصلاح ، ويرجع أصلهم لقبيلة تميم العربية ، ولكن العلامة عبد القادر الراشدي ذكر في آخر صفحة من كتابه " عقد اللآلئ المستضيئة لنفي ظلام التلبيس " أن نسب الأسرة ينتهي لفكونة ، وصارت هذه العائلة في العهود الأخيرة تعرف بسيدي الشيخ ، وتعود العائلة في أصولها للقرن 06هـ ، ومن أجداد عبد الكريم الفقون المتقدمين الفقيه أبي علي الحسن بن علي الفكون ، صاحب الرحلة المنظومة من قسنطينة لمراكش أواخر نفس القرن.

     واشتهرت العائلة كذلك بالثراء فكانت تنفق في وجوه البر والإحسان ، كما أصبحت تتمتع بنفوذ روحي بعد تكليفها برئاسة ركب الحج الجزائري ، كما كانت لها في قسنطينة زاوية تحمل اسمها لإيواء العلماء والطلاب ، وممن اشتهر منها وذاع صيته ، عبد الكريم الفكون الجد المتوفى سنة 988هـ ، والذي كان أول من تولى وظيفة الامامة والخطابة من عائلة الفكون ، بالجامع الكبير بقسنطينة خلال العهد العثماني بعد سنة 975هـ ، و قد ترجم له حفيده عبد الكريم الفكون في " منشور الهداية " ، ومنهم والده الذي تولى جميع وظائف أبيه من إمامة وخطابة بالجامع الكبير بقسنطينة ، وقد توفي أثناء رجوعه من الحج في مكان بين الحجاز ومصر سنة 1045هـ ، وقد استطاعت عائلة الفكون خلال العهد العثماني أن تتحصل على امتيازات كثيرة ، وأن تحتل مكانة اجتماعية مرموقة بسب سمعتها الدينية والعلمية ، وقد نوه به وبأسرته ـ نظما ونثرا ـ معاصره العلامة الأديب أحمد المقري التلمساني. (01)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- أبو مريم الجزائري ، شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون ، نقلا بتصرف من الموقعين :



ب- طلبه للعلم وشيوخه :

    نشأ الفكون في كنف والده الذي هو كان أول شيوخه ، ثم عكف على تحصيل مختلف العلوم الشرعية واللغوية ، ثم تولاه كبار شيوخ عصره مثل سليمان القشي وعبد العزيز النفاتي ، وأبو عبد الله محمد الفاسي المغربي ومحمد التواتي المغربي ، وكان كثيرا ما يعتكف على القراءة من مكتبة العائلة الزاخرة.

جـ- الوظائف و المهام التي تولاها :

    تولى التدريس بالجامع الكبير بقسنطينة في حياة والده ، الذي كان ينيبه عنه أثناء غيابه رغم صغر سنه نسبيا ، كما دَرس في زاوية العائلة و في مصلى بيته ، و في المدرسة التابعة للعائلة ، وبعد وفاة أبيه عام 1045هـ خلفه في إمامة المصلين والخطبة أيام الجمع والأعياد ، و السهر على أوقاف الجامع الكبير ، كما تقلد إمارة ركب الحج و حصل على لقب شيخ الإسلام بعد أن بلغ نفوذه العلمي والروحي ذروته ، وقد بقيت إمارة الحج في أيدي عائلة الفكون لقرون عديدة ، وكان آخر من تولاها محمد بن عبد الكريم بن بدر الدين الذي أدركه الاحتلال الفرنسي في سن الثمانين (ت 1256هـ).

    وتخرج على يدي الفكون مجموعة كبيرة من الطلاب ، ومن أشهرهم أبو مهدي عيسى الثعالبي ، وأبو سالم العياشي المغربي ، و يحي الشاوي ، و بركات بن باديس ، و أحمد بن سيدي عمار ، و محمد وارث الهاروني ، و محمد البهلولي ، و أحمد بن ثلجون ، وعلي بن عثمان بن الشريف و غيرهم. (01)









ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- أبو مريم الجزائري ، نفس المرجع.



د- وفاته وثناء العلماء ومعاصريه عليه :

     لما تقدمت به السن انقبض عن الناس وترك الاشتغال بالعلوم ، وسمع يقول : " قرأتها لله وتركتها لله " ، وقد توفي رحمه الله بالطاعون يوم 27 ذي الحجة 1073هـ الموافق لـ 03 أوت 1663م عن عمر يناهز الخامسة والثمانين.

    وكان من أعلام عصره في الحديث و الفقه و النحو ، وقال عنه المقري : " عالم قسنطينة وصالحها وكبيرها ومفتيها ، سلالة العلماء الأكابر ووارث المجد كابرا عن كابر ، المؤلف سيدي الشيخ عبد الكريم الفكون حفظه الله .... عالم المغرب الأوسط غير مدافع ، وله سلف علماء ذوو شهرة ، ولهم في الأدب الباع المديد " ، وقال عنه تلميذه أبو مهدي عيسى الثعالبي في " كنز الرواة " أنه : " علامة الزمان ورئيس علوم اللسان و فخر المنابر إذا خطب ، و لسان المحابر إذا شعر أو كتب " ، أما أبو سالم العياشي فقد قال عنه : " العلامة الفهامة الناسك الجامع بين علمي الظاهر والباطن سيدي عبد الكريم بن محمد الفكون القسنطيني ".

هـ- آثاره ومؤلفاته :

-  منشور الهداية في كشف من ادعى العلم والولاية ، وهو كتاب تراجم تعرض لترجمة أكثر من سبعين شخصا ، كما إنه تقييد هام يصور طبيعة البيئة القسنطينية زمن الانهيار وهيمنة عقلية الخرافة ، كما أرخ لأحداث مدينته و ما جاورها ، وما يجلب الانتباه في هذا الكتاب هي تراجمه التي لم يقصد بها التعريف بمناقب المترجم لهم ، و إنما أراد بها نقد أحوال أدعياء العلم والتصوف في وقته ، استنادا لخلفية إصلاحية تنويرية (01) ، وقد ألف كتابه هذا على فترات في شكل مذكرات ، وانتهى منه بعد سنة 1045/1635م مع وفاة والده ، وتاريخ بداية كتابته غير محدد ، ومحتمل أنه في عشرينات القرن 11هـ/16م ، ويسميه أحيانا تأليفا أو تقييدا أو ديوانا ، وحياة الناس المترجم لهم يسميها تارة ترجمة أو فهرسة أو سيرة ، والكتاب به معلومات هامة عن الحياة الاجتماعية في قسنطينة. (02)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- أبو مريم الجزائري ، نفس المرجع.

02- شيخ الإسلام عبد الكريم بن الفكون ، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية ، تقديم وتحقيق وتعليق : الدكتور أبو القاسم سعد الله ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1987 ، ص 15 - 16.

      وقد بين المهدي البوعبدلي أن هذا التأليف لا يتجاوز كراسة واحدة ، وقد وضعه بعد حادثة له مع أحمد بن حسن الغربي أحد علماء قسنطينة ، و يبدو من العنوان ومن ظرف الكتابة ، أن هذه الكراسة عبارة عن مناقشة لما ادعاه الغربي ، ولكن معرفتنا لبعض آثار الفكون الأخرى ، تجعلنا نعتقد أن هذا العمل غني بالآراء والنقول ، و أن الفكون تطرق فيه لأنواع القراءات و رواتها.

- سربال الردة في من جعل السبعين لرواة الإقرا عدة ، وهو كتاب مخطوط بباريس ، وتأليف في القراءات ، غني بالآراء والنقول ، عالج فيه أنواع القراءات ورواتها وغير ذلك مما يتصل بهذا الموضوع. (01)

- فتح الهادي في شرح جمل المجرادي ومخارج الحروف من الشاطبية ، وهو مؤلف في القراءات أيضا.

- الدرر في شرح المختصر ، والمقصود به مختصر عبد الرحمن الأخضري.

- شرح البسط والتعريف في علم التصريف ، ألفه سنة1048 هـ وهو شرح للأرجوزة المشهورة لصاحبها النحوي عبد الرحمان المكودي الفاسي (ت 807 هـ) ، وقد التزم فيه عقب كل شاهد ذكر حديث مناسب للشاهد معنى وإعرابا.

- فتح المولى في شرح شواهد الشريف بن يعلى ، وهو الكتاب الذي رصد فيه منتخبات الشواهد الشعرية ، التي وظفها الشريف أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يعلى الحسني ، وشرحه يسمى " الدرة النحوية في شرح الآجرومية " وهو أول شرح لمتن " الآجرومية ".

- شرح لامية الجمل النحوية للمجراد السلاوي (ت 778هـ). (02)





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- أبو القاسم سعد الله ، تاريخ الجزائر الثقافي 1500 - 1830 ، ج 02 ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1998 ، ص 24.



02- أبو مريم الجزائري ، نفس المرجع.



- محدد السنان في نحور إخوان الدخان ، ويسمى أيضا " محدد اللسان " ، وهو تقييد مفيد يرد فيه على دعاة شرب عشبة التبغ ، وعلى رأسهم العالم المصري الشهير الأجهوري ، وقد أورد فيه معالجة فقهية جامعة لهذه الظاهرة الغريبة ، مبينا بالحجج و البراهين حرمتها ومضارها ، وهي من العادات السيئة التي بدأت تنتشر في عصره.

- كتاب في حوادث فقراء الوقت.

- فتح المالك في شرح ألفية ابن مالك ، وهو شرح على لامية ابن مالك في التصريف.

- شفاء الأمراض لمن التجأ الى الله بلا اعتراض ، وهو نظم في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأصحابه والتابعين والأولياء. (01)

- ديوان شعري ، حيث كان تعاطيه الشعر لمعارضة ما يرد عليه منه في رسائل المراسلين ، أمثال المقري وتاج العارفين والسوسي المغربي (ت 1023هـ) ، ومنه ما كان ينظمه للتنفيس عن كرب الدنيا مثل " سلاح الذليل في دفع الباغي المستطيل " ، ومنه ما نظمه في المديح النبوي تحت ضغط المرض الذي عانى منه طلبا من الله لتعجيل الشفاء. (02)



       وقد حاول ابن الفكون تكسير التقليد بالعلوم الشرعية في القرن 11هـ/17م ، والذي يعد نموذجا للثورة على الجمود العقلي لدى فقهاء عصره ، وانتقد ظاهرة الحفظ لديهم ومنهم صديقه أحمد المقري ، أو النقل عن السابقين دون تغيير ، وبحثا كذلك عن المدح من الخاصة والعامة ، ونادى بتقديم الاجتهاد العقلي (الدراية) على التقليد (الرواية) (03) ، ورغم ما يظهر من العقلانية عند عبد الكريم الفكون ، فإننا نجده لم يرفض التصوف ولم يعترض على الكرامات ، ومنشور الهداية مليء بأخبار الأولياء والمتصوفة الذين رأى فيهم ابن الفكون البركة والصلاح ، وهو يبني عليها أحكاما تتناقض مع دعوته لنبذ البدع والاحتكام للسنة الصحيحة. (04)



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    01- أبو مريم الجزائري ، مرجع سابق.

02- شيخ الإسلام عبد الكريم بن الفكون ، مصدر سابق ، ص 11.

03- أبو القاسم سعد الله ، نفس المرجع ، ص 09 - 10.

04- شيخ الإسلام عبد الكريم بن الفكون ، نفس المصدر ، ص 14.



03/02- الشيخ سعيد قدورة :

أ- لمحة عن حياته :

     هو سعيد بن إبراهيم بن عبد الرحمان وشهرته قدورة ، محدث ومفتي وفقيه وأديب جزائري لقب بشيخ الإسلام ، وأصل والديه من مدينة قدورة قرب جزيرة جربة التونسية ، وقد هاجرا إلى الجزائر وسكنا بها ، حيث ولد لهما ليلة الإثنين 27 رجب سنة 1034ﻫ الموافق لـ 05 ماي 1625م ، وبعد وفاة والديه سنة 1001هـ توجه لزاوية الشيخ أبي علي بن أبهلول المجاجي قرب تنس ، حيث مكث ثلاث سنوات من 1005هـ حتى 1008هـ ، عاد بعدها للجزائر لمتابعة دراسته عند شيخه محمد بن أبي القاسم بن إسماعيل المطماطي ، العائد من الحجاز للتدريس بالجامع الكبير.

     وقد سافر الشيخ سعيد قدورة لتلمسان 1012هـ في طلب العلم ، وتتلمذ على يد الشيخ سعيد المقري ، ثم إلى صحراء فكيك وتافيلالت وسجلماسة وواحة بني عباس ، حيث قابل شيخه أحمد بن عبد الله السجلماسي العباسي ومنها إلى فاس ، ودامت رحلته أكثر من سبع سنوات قبل العودة للجزائر ، وعينه بعدها شيخه المطماطي خليفة له للتدريس بالجامع الكبير ووكيلا لأوقافه ، ثم عين مفتيا للمالكية ابتداء من سنة 1028هـ ، وبقي على ذلك حتى وفاته سنة 1066هـ/1656م.

    وكان عالما متفننا وزاهدا ورعا ، وله شرح على متن السلم لعبد الرحمان الأخضري ، وحاشية على شرح العقيدة الصغرى للسنوسي ، ولم يكن قدورة مفتيا فقط ولا مدرسا فحسب ، بل كان أيضا يخلط العلم بالتصوف ، وكان يدرس لطلابه كتب ابن عطاء الله وصحيح البخاري ، ورسالة القيرواني وسلم الأخضري وصغرى السنوسي ، وانفرد قدورة بالإفتاء أواسط سنة 1028ﻫ ، وظل في هذا المنصب لوفاته ، وورثه عنه ولديه محمد وأحمد. (01)

 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


01- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقعين :             [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]

 [http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=144240]

ب- مجمل مؤلفاته :


      أما إن حصرنا مؤلفاته ، فستكون على النحو التالي :


- حاشية على شرح اللقاني لخطبة خليل.

- شرح خطبة مختصر خليل في الفقه.

- نوازل تلمسانية.

- رقم الأيادي على تصنيف المرادي في النحو ، وهو نبذة ذيل بها شرح الخلاصة للمرادي.

- شرح المنظومية الخزرجية في النحو.

- حاشية على شرح الصغرى للسنوسي.

- شرح على السلم المرونق في المنطق.

جـ- وظائفه :

     تدرج في الوظائف من إمام جامع البلاط ، إلى خطيب جامع سيدي رمضان ، ثم إمام وخطيب ومدرس الجامع الكبير ، فمفتي المالكية ووكيل أوقاف الجامع الأخير ، وكان محظيا عند الباشوات لدرجة أنهم كانوا يقفون له إجلالا ويقبلون يده ، ويقدمونه على المفتي الحنفي (شيخ الإسلام) الذي كان يمثل المذهب الحاكم ، ومنهم يوسف باشا الذي حكم الجزائر من 1647م إلى1650 م ، وكان من الحكام الذين يقربون العلماء ويعفون المرابطين والأشراف من دفع الضرائب ويهدونهم ويكرمونهم ، وقد انتفع بعلم الشيخ قدورة جمع غفير من الناس إلى أن توفي سنة 1066هـ/ 1656م ، ودفن بزاوية الشيخ أحمد بن عبد الله الجزائري. (01)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


01- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقع :                [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]



د- أهم ما قيل عنه :


     قيلت عدة أقوال في علمه وصفاته وورعه ، منها ما قاله الإفراني : " العالم المتفنن الزاهد الورع الموصوف بالصلاح ، ولي الفتوى بالجزائر فأحسن فيها " ، وقال عنه شاه ولي الله الدهلوي : " شيخ الإسلام وصدر الأئمة الأعلام أبي عثمان سعيد بن إبراهيم الجزائري ومفتيها المعروف بقدورة ". (01)


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


 


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


01- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقع :                [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]



03/03- ابن المفتي :

     ولد ابن المفتي سنة 1095هـ/1688م ، بمدينة الجزائر وعاش بها ، وهو ابن المفتي الحنفي حسين بن رجب شاوش ، الذي وصفه ابنه هذا في كتابه " التقاييد " بالشيخ الإمام الصالح الكامل الأصولي الفقيه المتبحر ، وأنه ولد بمدينة الجزائر وتولى الإفتاء بها سنة 1102هـ/1691م وعمره ثلاثون سنة ، وذكر كذلك بأن والده هو أول كرغلي يتولى الإفتاء بالجزائر ، حيث كانوا محرومين من ذلك قبلا ، وقد عزل في عهد الداي مصطفى ، أما شيوخ ابن المفتي حسبه فهم الشيخ محمد بن نيقرو وعمار المستغانمي ومصطفى العنابي ، وعاصر مرحلة الدايات في الفترة من 1095هـ/1683م إلى 1166هـ/1753م ، ولم يضع عنوانا لكتابه ولكن جورج دلفان George Délphin ذكر بأن الجزء الذي عثر عليه من ورثة ألبير ديفو Albert Devoulx ، كان بعنوان " تاريخ الباشوات الذين حكموا جزائر الغرب " ، وحسب المدني فعنوان الكتاب هو " تاريخ باشوات وعلماء جزائر الغرب " ، ولكنه هو نفسه يقول عن تأليفه أنه مجرد تقاييد ، وهذا ما يرجحه المؤرخ العلامة أبو القاسم سعد الله ، كون مادة الكتاب مجرد تقاييد. (01)













ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- ابن المفتي حسين بن رجب شاوش ، تقييدات ابن المفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائها ، جمعها واعتنى بها الأستاذ فارس كعوان ، ط 01 ، بيت الحكمة ، العلمة / سطيف (الجزائر) ، 2009 ، ص 11 - 19.



03/04- ابن العنابي :  

أ- التعريف بشخصه :

     هو العلامة الشيخ محمد بن محمود بن محمد بن حسين بن محمد أفندي الإزميري ، ولد بالجزائر سنة 1190هـ ، ودرس على والده وابن الأمين علي والشيخ محمد جكيكن ، وفي سنة 1208هـ تولى القضاء وهو ابن 18 سنة ، وبقي فيه سنتين ثم عزل نفسه حتى لا يخالف أحكام الشرع ، وبعد أشهر ولي الإفتاء ثانية وبقي فيه ثلاث سنوات ، ولما مات مفتي الجزائر سنة 1213هـ ولوه الفتوى.

     وبقي يفتي على مذهب المالكية حتى سنة 1236هـ ، حين عزم على الحج مع والده ومحمد أفندي أخ حسين باشا ، وحين وصلوا الإسكندرية بقوا هناك ، ثم اتجه للتدريس بالأزهر تسع سنوات ، وفي سنة 1245هـ أرسل حسين باشا يطلبه بسفينة خاصة ، فذهب للجزائر وصار مفتيا حنفيا خلفا للشيخ أحمد بن عمر بن مصطفى ، وهي السنة التي كان فيها مصطفى الكبابطي قاضيا ، واستمر هذا الأخير زمن المحتلين الفرنسيين ، ولكنهم نفوه للإسكندرية فحل ضيفا على صديقه ابن العنابي سنة 1843م. (01)

     وينتسب ابن العنابي لأسرة عريقة ، حيث كان جده حسين بن محمد مفتيا للمذهب الحنفي ، ودرس الحديث على جده وتعلم الفقه واللغة على والده ، وكذلك على الشيخ عبد القادر بن الأمير المفتي المالكي ، وكان لديه اطلاع واسع على العلوم الشرعية والعلوم الحديثة ، وتقلد عدة مناصب كالقضاء والإفتاء ، كما قام بسفارة للمغرب سنة 1816م ، بتكليف من الداي عمر باشا للسلطان مولاي سليمان ، لأجل المساعدة في إعادة بناء الأسطول الجزائري الذي قصفته بريطانيا ، وقد وجد حفاوة الاستقبال لدى السلطان وحقق له بعض مطالبه. (02)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- أبو القاسم سعد الله ، رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي ، ط 02 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1990 ، ص 06 - 11.

03- مولود عويمر ، الشيخ ابن العنابي ذلك المصلح المجهول ، نقلا بتصرف عن الموقع :


     وتقدم لنا ترجمة عبد الحميد بك لابن العنابي* صفحة جديدة من حياة هذا الرجل ، الذي جاء في وقته ففهمه البعض واستفادوا منه ، ولم يفهمه آخرون واعتبروه نشازا وسخطوا عليه ، ونفوه من الجزائر أولا ثم عزل في مصر ثانيا ، ولا يجب الاكتفاء بما كتبه عنه عبد الحميد بك ، لأنه سمع عنه أخبارا مشوشة من الجالية الجزائرية بالإسكندرية. (01)

ب- مؤلفاته :

    ألف ابـــــــن العنابي عدة كتب ، وأحصى له المؤرخ العلامة أبو القاسم سعد الله في كتابه " رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي " سبعة عشر كتابا ورسالة وإجازة ، نذكر منها :

- صيانة الرياسة ببيان القضاء والسياسة./- السعي المحمود في نظام الجنود.

- العقد الفريد في التجويد./- لمعان البيان في بيان أخذ الأجرة على القرآن.

- التحقيقات الإعجازية بشرح نظم العلاقات المجازية.

      غير أن معظم هذه الكتب بقيت مخطوطة ، ومكدسة في خزائن المكتبات المصرية والتركية والفرنسية (02) ،  وبعد مضايقة الفرنسيين لابن العنابي توجه للإسكندرية ، فولاه محمد علي فتوى الحنفية بدلا للشيخ خليل السعدان ، وبقي كذلك لسنة 1266هـ ، حين نقم عليه عباس باشا حفيد محمد علي وعزله وعوضه بالشيخ محمد البنا ، وبقي مبتعدا ببيته حتى وفاته سنة 1276هـ/ 1851م. (03)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* يعد كتاب " تاريخ عبد الحميد بك " ، أهم وأوسع ترجمه للمفتي ابن العنابي ، وقد توفي عبد الحميد بك سنة 1280هـ/1863م ، وكان صاحبا وصهرا لمحمد علي والي مصر ، وتولى وظائفا إدارية ، وكتابه هذا غير منشور وموجودة نسخة منه بمكتبة ليدن في هولندا ، وهو كتاب في تراجم أهل القرن 19م.

01- أبو القاسم سعد الله ، نفس المرجع ، ص 06.

02- أبو القاسم سعد الله ، نفس المرجع ، ص 11 - 13.

03- مولود عويمر ، نفس المرجع.

جـ- كتابه " السعي المحمود في نظام الجنود " :  

     هو دعوة تجديد وإصلاح في النظم العسكرية والسياسية على هدي الإسلام ، وتضمن إضافة للفصول العسكرية والتنظيمية ، فصولا عن رحمة الضعفاء وإقامة العدل ورد المظالم ، وإظهار شعائر الدين ، واجتماع الكلمة والاتفاق ، وجواز تعلم العلوم الآلية من الكفرة دون التأثر بهم في الدين والفكر ، وتحدث فيه عن أسباب النصر والقوة ، وعن أسباب سقوط الدول ، ويظهر من مضامينه عزة النفس الإسلامية ، والاستعلاء الإيماني على الكفرة ، والدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ، ولهذا عد ابن العنابي رائدا للتجديد الإسلامي في عصره بالجزائر ، وقال عنه معاصره حمدان بن خوجه : " كان المفتي سيدي محمد العنابي رجلا نزيها فاضلا " ، ولكتابه عدة نسخ مخطوطة في تركيا ومصر وتونس ، وطبع في الجزائر بتحقيق محمد بن عبد الكريم في المؤسسة الوطنية للكتاب بالجزائر سنة 1983م. (01)

د- خطاب ابن العنابي التجديدي وفكره الإصلاحي :

     يعد الشيخ محمد ابن العنابي نموذجا للمثقف الملتزم بهموم أمته ، والمشارك في حركة التجديد ، حيث كرس قلمه لنقد الأوضاع السائدة في الجزائر والعالم الإسلامي ، ورسم معالم الطريق للنهضة ، وصبر على المعوقات في سبيل ذلك ، وخلافا لكثير من العلماء الذين سبقوه وعاصروه ، اعتبر ابن العنابي أن الخلل ليس في الأمة فقط ، ولكن في السلطة كذلك ، لإرساء حكم راشد قائم على ثلاثة مبادئ ، وهي أولا الليونة والتسامح والتعامل مع الآخر بالإحسان ، أما ثانيا الشورى وعدم الاستبداد بالرأي والانفراد بالحكم والقرار ، وأخيرا الكفاءة وعدم إسناد الأمر لغير أهله ، وهكذا سبق الشيخ ابن العنابي رواد الإصلاح السياسي في العالم الإسلامي المعاصر ، خاصة جمال الدين الأفغاني وخير الدين التونسي وعبد الرحمان الكواكبي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- أبو القاسم سعد الله ، نفس المرجع ، ص 59 - 61.

02- مولود عويمر ، نفس المرجع.



      وفي مجال الإصلاح العسكري ، دعا ابن العنابي لبناء جيش عصري قادر على مواكبة التحديات الجديدة أمام العالم الإسلامي ، وكان لا يرى عيبا في الاقتباس من النظم العسكرية الأوروبية في التسليح والتنظيم والصرامة ، كما سبق المصلح المصري رفاعة رافع الطهطاوي في الدعوة للأخذ بأسباب التطور ، ونادى بهذه الأفكار الجديدة في سنة 1826م ، وهي سنة بعثة الشيخ الطهطاوي إلى فرنسا ، ولقد كانت الفكرة السائدة في عصره هي أن الاقتداء بالغرب في تطوره هو تشبه بالكفار ، في حين اعتبر الشيخ ابن العنابي أن العلم ملك للإنسانية ، غير أن آراءه التجديدية لم تلق آذانا صاغية وعقولا صافية وعزائم قوية. (01)

     وفي كتابه آنف الذكر نقد ابن العنابي معاصريه من الفقهاء بشدة ، وسخر من أفكارهم ومظهرهم ، كما نادى بضرورة النهضة الإسلامية بالمنافسة مع العالم الأوربي ، واللحاق به في أنواع المبتكرات الصناعية والحربية ، وكان له رأي أيضا في الديمقراطية السياسية وتوزيع الثروة واختيار الأكفاء في الإدارة. (02)















ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

01- مولود عويمر ، نفس المرجع.

02- أبو القاسم سعد الله ، نفس المرجع ، ص 11.





- مصادر ومراجع البحث :

أ- المصادر :

01- ابن الفكون عبد الكريم (شيخ الإسلام) ، منشور الهداية في كشف حال من ادعى العلم والولاية ، تقديم وتحقيق وتعليق : الدكتور أبو القاسم سعد الله ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1987.



02- ابن المفتي حسين بن رجب شاوش ، تقييدات ابن المفتي في تاريخ باشوات الجزائر وعلمائها ، جمعها واعتنى بها الأستاذ فارس كعوان ، ط 01 ، بيت الحكمة ، العلمة / سطيف (الجزائر) ، 2009.

ب- المراجع :

01- سعد الله أبو القاسم ، تاريخ الجزائر الثقافي 1500 - 1830 ، ج 02 ، ط 01 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1998.



02- __________ ، رائد التجديد الإسلامي محمد بن العنابي ، ط 02 ، دار الغرب الإسلامي ، بيروت ، 1990.

ب- مقالات إلكترونية :

01- نقلا بتصرف عن موقع دار الإفتاء اللبنانية :

]http://www.yabeyrouth.com/pages/index1236.htm[

02- موسوعة مقاتل ، شيخ الإسلام ، ص 01-02 ، نقلا بتصرف عن الموقع الإلكتروني :

http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Atrikia51/HokmOsmani/sec02.doc_cvt.htm



03- صالح وردياني ، " مدافع الفقهاء : الفقهاء والعثمانيين " ، المستبصر ، ص 37 - 40 ، نقلا من الموقع : 


04- عمار جيدل ، رائد الفكر الإسلامي الحديث : شيخ الإسلام مصطفى صبري ، جامعة الجزائر المركزية ، نقلا بتصرف من الموقع :


05- عصام محمد علي عبد الحفيظ عدوان ، " شيخ الإسلام أبو السعود أفندي 898هـ/982هـ - 1493م/1574م " ، مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات ، العدد 22 ، القدس ، شباط 2011م ، ص 265 - 270.          [www.qou.edu/homePageItemVcount?file=arabic/...]

06- أبو مريم الجزائري ، شيخ الإسلام عبد الكريم الفكون ، نقلا بتصرف من الموقعين :



07- نقلا بتصرف من مقال بعنوان : التواصل الثقافي بين الأقطار المغاربية خلال العهد العثماني ، من الموقع :                [http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=107912]

 [http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=144240]

08- مولود عويمر ، الشيخ ابن العنابي ذلك المصلح المجهول ، نقلا بتصرف عن الموقع :


09- ............................................................ [/شيخ الإسلام/ Wikipedia.com]





- الخاتمة :

     وضع العثمانيون حجر الأساس لأول مؤسسة دينية حكومية ، تخضع للإشراف المباشر من الحكم المركزي في تاريخ المسلمين ، وقبلهم كان حكام المسلمين يتعاملون مع الفقهاء حسب الحاجة والمصلحة ، ومع فقهاء المذاهب الأربعة في وقت واحد ، في حين اختلف الأمر مع العثمانيين ، حيث كان شيوخ الإسلام في المركز والولايات من المذهب الحنفي ، وهو المذهب الرسمي للدولة العثمانية.

      وعندما أنهى العثمانيون بناء مؤسسة شيخ الإسلام ، صار الدين محتكرا في دائرة هذه المؤسسة ، التي ركزت على المذهب الحنفي ، وأخرجت المذاهب الأخرى من ممارسة السلطة الدينية الرسمية ، لتتحول مهامهم نحو اصدار الفتاوى في المحيط المحلي ، ونحو التعليم الديني الأهلي ، وصارت أحيانا تحت نظر السلطة بسبب الشبهة منها ، ولكن هذا لم يمنع من ظهور شيوخ إسلام مالكيين في الجزائر ، ذوي صيت وتأثير كبيرين لدى السلطة المحلية وشيخ الإسلام الحنفي التابع لها ، وتعددت الأسباب في ذلك.

      ومع ترسخ نظام شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ، تحول معظم الفقهاء لموظفين في الدولة ينتظرون تعليماتها وينطقون بلسانها ويفتون لصالحها ، وهذا ما أدى لظهور طبقتين من الفقهاء وعلماء الدين ، واحدة حكومية والثانية شعبية ، وبينهما مشاحنات دائمة كثيرا ما يسهم الحاكم في زيادة حدتها ، لشغل الجميع ببعضهم وإبعادهم عن التدخل في سياساته ، التي قد لا تكون شعبية ومقبولة دينيا ، ومن أهم الاستنتاجات المستخلصة من هذا البحيث ، نذكر :

- ارتباط منصب شيخ الإسلام بمنصب المفتي ، وغالبا ما كان مفتي السلطنة أو الولاية هو نفسه شيخ الإسلام المركزي أو المحلي.

- ظهور العديد من مشايخ الإسلام من مختلف المذاهب في ولايات الدولة العثمانية ، بسبب تركيز هذه الأخيرة على شيخ واحد رئيسي للإسلام ، وفق المذهب الحنفي فقط.

- في إيالة الجزائر غرب ، كان هنالك شيخان للإسلام واحد تابع لباشا الجزائر ، ويعرف كذلك بالمفتي الحنفي ، وآخر أهلي ويعرف أيضا بالمفتي المالكي ، وأحيانا كانت للثاني مكانة لدى السلطة المحلية تفوق التي للأول.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire